فتيات الغيشا في الزمن الراهن ـ محمود يعقوب

فتيات الغيشا في الزمن الراهن

محمود يعقوب

 

” إذا لم تكن هناك حاجة إلينا بعد الآن ، فكل ما يمكننا فعله هو الاختفاء ” .

هذا ما قالته إحدى فتيات الغيشا ، في هذا الزمن . ولكن الغيشا لم تختفِ . فهنالك من يصرّ على استمرار بقائها ، ووجودها الحيوي ، كلون من ألوان الثقافة اليابانية الأصيلة . والتي يتمسّك بها البعض من المواطنين ، ويعملون على ديموتها ، وفقاً لرغبات الجمهور الياباني ، ومتطلبات السياحة الوطنية ، وبصورة تراعي الوضع الثقافي والحضاري المتبدّل .

الغيشا : مفردة يابانية ، وتُعرف أيضاً باسم ( جيكو ) في مناطق كيوتو وكانازاوا ، أو ( جيجي ) .

وتعني فئة من فنّانات الأداء اليابانيات . تدرّبن على أساليب الفنون التقليدية ، مثل الرقص ، والموسيقى ، والغناء . فضلاً عن كونهن متحدثات ومُضيفات بارعات . يمتاز مظهرهن بكيمونو سابغ ، وتسريحة شعر معقّدة ، ومكياج خاص ومُميّز يعرف باسم أوشيرو .

تقوم فرق الغايشا بالترفيه في الحفلات المعروفة باسم ( أوزاشيكي ) غالباً للترفيه عن العملاء الأثرياء . بالإضافة إلى الأداء على خشبة المسرح وفي المهرجانات . وعلى الرغم من سوء الفهم السائد في الغرب ، فإن الغيشا المعاصرات ليس مومسات ، حيث نشأ هذا المفهوم الخاطيء بسبب الخلط بين المحظيات اليايبانيات سابقاً ، والمحظيات المعاصرات ، ولفيف النسوة العاملات في تجارة الجنس ، واللاتي يرتدين الكيمونو تاريخياً أيضاً .

يتكوّن اسم ( الغيشا ) من مقطعين في لغة الكانجي اليابانية ، هما ( غي ) ، وتعني ( الفن ) ، و     ( شا ) ، وتعني ( الشخص ) أو ( الفاعل ) . الترجمة الأكثر حرفية للغيشا في اللغة الإنجليزية ستكون ( فنّانة ) ، أو ( فنّانة أداء ) . وهناك مصطلح إقليمي آخر للغيشا مع معنى مختلف قليلاً هو

، وهو مصطلح يستخدم لوصف الغيشا في غرب اليابان ، بما في ذلك كيوتو وكانازاوا ؛ geiko

يُترجم هذا المصطلح مباشرة على أنه ( أمرأة فنّانة ) ، وهو جزء من لهجة كيوتو التي تتحدث بها الغيشا في كيوتو وغرب اليابان .

                                                                                ***

في العصر الحديث ، بلغت أعداد الغيشا ذروتها في اليابان عام ١٩٢٨ عندما أصبح هذا العدد بنحو ( ٨٠٫٠٠٠ ) غيشا ، ولكن الآن لم يتبقَ منه أكثر من ( ١٠٠٠ ) غيشا . فبعد أن خسرت اليابان الحرب العالمية الثانية ، تشتّتت الغيشا ، وباتت المهنة في حالة يُرثى لها . ولكن في فترة الاحتلال الأمريكي بدأت المهنة تزدهر نوعاً ما ثانية في مرحلة الستينيات من القرن الماضي ، خلال فترة الإزدهار الإقتصادي في اليابان . ولكنها لم تلبث أن تقلّصت تدريجياً سنة بعد أخرى .                                                                                                                                في عام ١٩٨٩ ، ورد في صحيفة نيويورك تايمز أنه كان هناك ما يقرب من ٦٠٠ ـ ٧٠٠ غيشا متبقية في اليابان .  ومع مرور الوقت انخفضت أعداد الغيشا ، على الرغم من مجهود العاملين والمشرفين على هذه المهنة .

ثمة جملة من العوامل التي تقف خلف الانحسار التدريجي لهذا الفن في العقود الماضية ؛ كان أبرزها العامل المالي ، إذ يمكن أن يكلّف عشاء مع هدية للغيشا حوالي حوالي ( ٨٠ألف ين ) أو ما يقابل ( ٧٨٥ دولار ) للشخص اعتماداً على المكان وعدد الغيشا ، وهذا مكلف بالطبع .وهناك مشكلة أخرى هي أن الرجال اليوم يميلون إلى تفضيل وسائل ترفيهية أقل رسمية ، مثل الحانات . يقول الكثير من الناس أن عالم الغيشا بحاجة إلى مزيد من الانفتاح ، ويقولون أن الإنترنت أداة مثالية لمثل ذلك بحكم الطبيعة الحصرية والمغلقة لعالم الغايشا . ويمكن أن نلحق عاملاً آخر كانت له نتائجه السلبية في انكماش نشاط مهنة الغيشا ، وهو تراجع الاهتمام بالفنون التقليدية . ومع ذلك ، بعد ظهور إمكانية الوصول الأوسع إلى الإنترنت منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين فصاعداً ، قرّرت أعداد ، لا بأس بها ، من الفتيات تجنيد أنفسهن للانضمام إلى هذه المهنة .

في هذا العصر ، لفت عالم الغيشا المذهل انتباه النساء من خارج اليابان أيضاً ؛ فإنخرط البعض منهن للانغماس فيه ، وأصبحن غيشا معروفات في الأوساط اليابانية . في عام ٢٠٠٧ ظهرت المواطنة الاسترالية ( فيونا جراهام ) لأول مرّة ، باسم ( سايوكي ) في منطقة أساكوسا الترفيهية في العاصمة طوكيو . وفي عام ٢٠١٠ ، ظهرت الرومانية إيزابيلا أونو لأول مرّة باسم ( فوكوتارو ) في منطقة إيزو ناغاوكا في شيزوك .

هناك أيضاً ، الفتاة إيبو من أوكرانيا ، تعمل في منطقة أنجو في محافظة أيتشي . وقد أصبحت إيبو مهتمة بالانضمام إلى سلك الغيشا لأول مرّة عام ٢٠٠٠ ، بعد زيارتها لليابان لدراسة الرقص التقليدي ، وعادت بعد سبع سنوات لتصبح غايشا .

هناك أيضاً ( جوري ) ، وهي غيشا بيروفية تعمل في منتجع يوغاوارا في محافظة كاناغاوا . كذلك الحال بالنسبة إلى ( رنيكا ) ، وهي مواطنة صينية من شنيانغ ، أصبحت غيشا في محافظة شيزوكا عام ٢٠١١ ، وهكذا .

اليوم يوجد في اليابان بضع مئات منهن ، لا سيما في منطقة جيون ، في العاصمة السابقة كيوتو ، وفقاً لمنظمة السياحة الوطنية اليابانية ، وبإمكان السياح احتضان كرم ضيافتهن ، وهن بعيدات كل البعد عن الصورة القذرة القديمة ، حيث يعتبر الكثير منهن أن عملهن هذا هو طريقة حياة .

ويظهر أكثر تواجد للغيشا ، في يابان اليوم ، في محافظة كيوتو ، العاصمة الثقافية التقليدية لليابان ، ومركز الفنون التراثية . إذ توجد في هذه المدينة خمس مقاطعات هي :

جيون كوبو ، جيون هيغاشي ، بونتو شو ، مياغاوا تشو ، و كاميشيشيكن ؛ وهذه مناطق نشطة تمتاز بمنازل الغيشا التقليدية ، والمقاهي،  والمسارح ، والمطاعم ، والفنادق ، التي تعرض فيها فنون الغيشا . ومن الممكن مشاهدتهن يقدمن الشاي في مهرجانات الترفيه ، كما في مهرجان زهرة البرقوق ، كما يمكن مشاهدتهن وهن يقدمن البيرة ، في حدائق البيرة ، ويتحفن الجمهور برقصاتهن التقليدية عند المساء في هذه الحدائق ، ضمن مناسبات معينة . حيث تحظى عروض الغيشا بشعبية كبيرة وإقبالاً بين الزائرين الأجانب لليابان ، الذين يتوقون للتعرّف على هذا الجزء الغامض من الثقافة اليابانية عن قرب .                                                                                                  و تعمل الغيشا في مناطق تُعرف باسم هاناماشي ” مدن الزهور ” . ويُقال أنها تسكن كاريوكاي ” عالم الزهرة والصفصاف” ، وهو مصطلح نشأ في وقت كان يعمل فيه كل من المحظيات والغيشا في نفس المناطق . قيل أن المحظيات هن ( الزهور ) في هذا اللقب بسبب طبيعتهن المبهجة والجميلة ، مع كون الغيشا هي ( الصفصاف ) بسبب طبيعتها الباهتة . يأتي جزء من المقارنة بين الغيشا والصفصاف من الولاء المتصوّر بين الغيشا لرعاتهن بمرور الوقت .

ولاتزال الغيشا ، اليوم ، تدرس الآلات الموسيقية التقليدية : الشيمسين ، والشاكوهاتشي ، والطبول ، والأغاني التقليدية ، والألعاب التعليمية ، والخط ، والرقصات اليابانية التقليدية ، وحفلات الشاي ، والأدب ، والشعر . كذلك تتعلّم الغيشا تقنيات المحادثة ، وألعاب الحفلات النموذجية ، واللياقة والسلوك المناسبين ، وأصول تقديم المشروبات . وغالباً ما تبدأ الشابّات اللواتي يرغبن في أن يصبحن غيشا تدريبهن بعد إكمال المدرسة الإعدادية أو الثانوية أو حتى الجامعية . وتحتاج الفتاة فترة تدريب طويلة ، تمتدّ من ٥ ـ ٦ سنوات لأجل أن تحترف مهنة الغيشا . وكلما تقدّمت الغيشا في السن فإن العملاء يتوقّعون أداءً ومستوى أعلى في البراعة .

    ويعتبر الكثيرون أن محافظة كيوتو هي المكان الأنسب والأفضل لاستعراض تقاليد الغايشا . وهؤلاء االفتيات بإمكانهن ، كشأن الأخريات ، أن يشقّن سبيلهن في الحياة ، ويصبحن طبيبات ، أو مهندسات ، أو محاميات ، وما شاكل ذلك ؛ ولكنهن رأين الجمال في كونهن غيشا ، وهذا ما أردنه .

ويُنظر إلى الغيشا في اليابان على أنها من أكثر سيدات الأعمال نجاحاً في المجتمع الياباني . وهي من أكثر النساء نجاحاً مالياً وعاطفياً

تم تصنيف عدد من الغيشا على أنهن ” كنوز وطنية حيّة ” من قبل حكومة اليابان ، وهي أعلى جائزة فنية يمكن الحصول عليها في البلاد .

المصادر :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- Modern Geisha , geishaworld. Fandom. com

2- Sery Kim , The truth about modern day geishas , June 15 . 2017 , foxnews. Com

3-Eileen Ogintz , Inside the secret world of a modern- day geisha , September 23 . 2015 ,

Foxnews.com .

4- Elaine Lies , Modren- day geisha triumphs in closed , traditional world , April 22. 2008 .

5 – wikipdia- Geisha

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *