( إبريق الشّاي ) ـ الأديب الدنماركي هانز كريستيان أندرسن .
ترجمة أماني لازار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أماني لازار : كاتبة ومترجمة من سوريا ، لها مجموعة ممتازة من الكتب الأدبية مترجمة عن الأدب العالمي الرفيع .
كان هناك إبريق شاي معتدٌ بنفسه، فخور بكونه مصنوع من الخزف، وبفوَّهته الطويلة وقبضته العريضة. امتلك شيئاً في مقدمته وآخر في مؤخرته، كانت الفوَّهة في المقدمة والقبضة في الخلف، وذلك كان ما تحدث عنه. لكنه لم يشر إلى غطائه لأنه كان متصدعاً ومثبَّتاً بمسمار وحافلاً بالعلل، ونحن لا نتحدث عن عيوبنا-الآخرون يفعلون ذلك. فكَّرت الفناجين، وعاء القشدة، وعاء السُّكر-في الواقع طاقم الشاي بمجمله-أكثر بكثير بعيوب الغطاء وتحدثوا عنه أكثر مما تحدثوا عن القبضة السَّليمة والفوهة المتميزة. عرف إبريق الشاي بهذا.
قال لنفسه: “أعرفهم، وأنا أيضاً أعرف نقائصي، وأدرك أنه في تلك المعرفة ذاتها يكمن كل من تواضعي وبساطتي. نحن جميعاً لدينا الكثير من العلل، لكن لدينا أيضاً فضائل. الفناجين لها قبضة، لوعاء السٌّكر غطاء، لكن بالتأكيد لدي الاثنان، وشيء آخر إضافي، شيء لا يمكنهم امتلاكه على الإطلاق، لدي فوهة وذلك يجعل مني ملكاً على طاولة الشَّاي. يحق لكل من وعاء السُّكر ووعاء القشدة تقديم أطايب الطعام. لكن أنا المانح، الناصح. أنشر البركة بين العطاش من البشر. في داخلي تنكِّه الأوراق الصينية الماء المغلي عديم المذاق.
هذه كانت الطريقة التي تحدث بها إبريق الشاي في أيام شبابه النضرة. وقف على الطاولة التي كانت معدّة للشاي وحملته اليد الأكثر رهافة. لكن تلك اليد الرهيفة كانت خرقاء للغاية. فكان أن وقع إبريق الشاي، انكسرت الفوهة وانكسرت القبضة، ولا لزوم للتحدث عن الغطاء فقد قيل ما يكفي عن ذلك. وقع إبريق الشاي على الأرض فاقداً الوعي، في حين انسكب الماء المغلي منه. كانت صدمة عظيمة له، لكن كان أسوأ شيء على الإطلاق سخرية الآخرين منه وليس من اليد الخرقاء.
“سوف لن أكون قادراً أبداً على نسيان ذلك!” قال إبريق الشاي عندما تحدث لاحقاً إلى نفسه عن حياته في الماضي. “لقد دعوني باطلاً، ووضعوني في الركن، وفي اليوم التالي أعطوني إلى امرأة كانت تستجدي طلباً للطعام. وقعت في الفقر وكنت صامتاً في الداخل والخارج على حدٍّ سواء، لكن بوقوفي هناك بدأت حياتي الأفضل. بين لحظة وأخرى تتبدل الأحوال تماماً. وضعوا بداخلي تراباً وبالنسبة لإبريق شاي هذا أشبه بدفنه، لكن في ذلك التراب زرعوا بصيلة زهرة. لا أعرف من وضعها هناك وأعطاني إياها، لكنها كانت مزروعة هناك بديلاً عن الأوراق الصينية والماء المغلي، القبضة المكسورة والفوهة. والبصيلة وضعت في التراب، في داخلي وأصبحت قلبي، قلبي الحي، شيء لم أحصل عليه من قبل قط. كان هناك حياة بداخلي، كان هناك قوة ومقدرة، خفق نبضي. البصيلة تبرعمت، أفكار ومشاعر انبثقت وتفتحت منها زهرة. رأيتها، حملتها، ونسيت نفسي في جمالها. إنها لنعمة أن تنسى نفسك في الآخرين!
“لم تشكرني، لم تفكر بي أيضاً-أعجب الجميع بها وأطروا عليها. ما جعلني في غاية السعادة، لا بد أن هذا قد منحها شعوراً بالسعادة أكبر بكثير!
“سمعتهم يقولون ذات يوم إنها تستحق أصيصاً أفضل. كسروني إلى اثنين-ذلك آلمني بحق-ووضعت الزهرة في أصيص أفضل، ثم رموني خارجاً في الفناء، حيث أستلقي مثل كسرة إناء قديم. لكن لدي ذاكرتي، تلك التي لا يمكن أن أخسرها أبداً!”