ياسوناري كواباتا والمدرسة الحسّية في الأدب الياباني الحديث .

ياسوناري كواباتا

والمدرسة الحسّية في الأدب الياباني الحديث 

محمود يعقوب
حينما قرأت أعماله الأدبية ، لأول وهلة ، بدا لي أن ياسوناري كاواباتا قد امتلك مرآة سحر برونزية فريدة من نوعها ، من تلك المرايا التي يستعين بها السحرة في اليابان القديمة ، وراح يعكس فيها روح الجمال والحزن الياباني الآسر . تمكّن هذا الكاتب حقّاً من تحريك أحاسيسي الكسولة ،  وإثارتها . كان صرير قلمه يستثير أعمق تلك الأحاسيس ، وأبعدها . وفي الحق ، لم يكن ذلك صريراً ، بقدر ما كان عزفاً سماوياً على أوتار القلب . جعلتني لغته الحريرية أبصر الألوان الخاطفة بين السطور ، وأتشمّم عبق اليابان في صفحاتها ؛ الأغرب من ذلك ، إن الملمس الناعم لكلماته ، التي قرأتها ، لم يزل جاثماً تحت جفوني .
   جميع كتبه أحبها لأنها ” تعطيني الإحساس بأنها تحتوي على شيء ساحر . ليس فقط الكلمات أو قصة الكتاب فحسب ، ولكن أيضاً كل ما هو بين السطور ، وكل ما نحسه ويشكّل بالنسبة للكاتب مغامرة شاملة. إنه يبادلنا ما لا يُقال ، الصمت ، والنظرة “[۱] .
   ياسوناري كاواباتا ، كاتب رئيسي في القرن العشرين ، ومن أعظم أساتذة فن الرواية والقصة فيه . معروف بلغته الحزينة والغنائية ، التي تحاكي التقاليد اليابانية القديمة ، الممزوجة بجماليات الأدب الأوربي . وتتخلّل أعماله الدقيقة مشاعر الوحدة ، والانشغال بالموت ، متشابكة مع مشاعر الجمال ، والإخلاص ، والحزن .                                                                                                                                                                                          وبالنسبة إلى القرّاء والمثقفين العرب ، كان هذا الكاتب أوفر حظ من بقية الكتّاب اليابانيين في ترجمة أعماله إلى اللغة العربية . ولكن كل ما كُتب عنه ، وعن أدبه  كان شحيحاً ، لا يتوافق مع وفرة تراجم قصصه ، ورواياته إلى لغتنا . وفي هذا الفصل أحاول أن أسلط الأضواء على سيرته ، وحياته ، وطبيعة أدبه .
                                                                                               ◘ ◘ ◘      
      وُلِدَ ياسوناري كواباتا في ۱۱ / حزيران / ۱٨٩٩م في مدينة أوساكا الصناعية . كانت ولادته مُبتسرة ، إبن سبعة شهور فقط ، ولذلك سيظل في صحة هشّة ، وهزيلاً طوال حياته .. وُلِدَ لعائلة مثقفة ، وراقية . كان والده طبيباً ، رجلاً متحضّراً ، اهتم بالشعر والرسم ، شأن مثقفي عصره . وقد انحدرت والدته من عائلة ثرية . لكن طفولة ياسوناري تميّزت بسلسلة من الخسارات المأساوية  :
   في عام ۱٩۰۰م ، توفي والده جراء مرض السل ، وفي عام ۱٩۰۲م ، توفيت والدته  أيضاً جراء المرض نفسه . لذلك رعاه أجداده ـ من جهة الأب ـ وانتقل للعيش برفقتهم ، في قرية تويو كاوا ، في ضواحي أوساكا . مثّل له هذا الانتقال بداية هادئة نسبيّاً . وقد حمل اسم جدّه ، وفق قوانين التبني اليابانية . انفصل عن أخته ، التي كانت تكبره بأربع سنوات ؛ حيث استقبلتها عمتها ، لتسكن معها ، في قرية أخرى .
   حاول جدّاه تعويض الفتى ، وسدّ الفراغ العاطفي الذي أحدثه اختفاء والديه . باع جدّه كواباتا سانياتشيرو ، وهو شخصية قروية بارزة ، يعمل في تصنيع الأدوية الصينية ، أرضه ، لأجل الاستثمار في نوع من الاستثمارات تسبّبت في دماره ، وأقعدته أخيراً .
في سن السابعة ، التحق ياسوناري بمدرسة قرية تويو كاوا الابتدائية ؛ حيث تلقّى تعليماً ممتازاً ، على الرغم من حالته الصحية السيئة .
   توفيت شقيقته يوشيكو عام ۱٩۰٩م ، ولم يحضر جنازتها . لم يكن يحتفظ لها بـ ” أي صورة في قلبه ” . أراد جدّاه عدم زجّه في محنة مراسم الجنازة ، ولذلك منعه هذا الأمر من الحداد الفعلي على الفتاة الصغيرة . في نفس هذه السنة توفيت جدّته ، لتتركه وحيداً مع جدّه ؛ واعتباراً من هذه السنة أيضاً يبدأ الصبي ياسوناري برعاية جدّه ، الذي فقد بصره وسمعه معاً .
” هذه الأحداث أثّرت على نظرة كاواباتا الكاملة للحياة ، وكانت أحد أسباب دراسته اللاحقة للفلسفة البوذية ” [۲] .
في هذا العمر لم يكن يحتفظ بأي ذكرى لوالديه ، ممّا يفسّر الطبيعة الحالمة والمثالية لخياله .
   لقد طوّرت تجربته في طفولته شخصيته الانطوائية ، وحزنه ، ووحدته ، والتي تشكّل الفكرة الرئيسية لمشاعر الكاتب الإبداعية . حتى أنه ، في مآل الأمر ، دسّ القليل من السعادة في أدبه الثر .
   إن الشعور بالخوف من الوحدة ، والقرب من الموت الموجود في أعماله الأدبية ؛ يأتي بلا شك من هذه الطفولة المضطربة ، ومن المعاناة . خلال حياته ، كتب ياسوناري رسائل إلى هؤلاء الأقارب الذين لم يتذكرهم . لا يسميهم ” أبي ” أو ” أمي ” ، ولكن يسميهم ” والديّ الراحلان ” أو ” الأقارب المتوفين ” . يكتب عنهم ياسوناري قائلاً :
” أنتم بالنسبة لي اليوم مثل صوت الريح أو نور القمر ” .
   خلال السنوات الثماني التي أعقبت وفاة جدّته ، ظلّ ياسوناري برفقة جدّه ؛ وعلى الرغم من كونه أصمّاً ، وكفيفاً ، إلّا أنهما كانا على علاقة وثيقة للغاية فيما بينهما . غير أن الجد ما لبث أن توفي في عام ۱٩۱٤م ، ليترك ياسوناري وحيداً . وفي هذا العام كتب ياسوناري مذكّراته بعنوان ( مذكّرات سنتي السادسة عشر ) . نُشر هذا النص ، الذي يعد أول عمل أدبي له ، في عام ۱٩۲٥م .
   أمضى ياسوناري الأشهر الستة التالية مع عمه ، الذي يقيم في قرية أخرى ، قبل أن يلتحق إلى مدرسة إيبارجي الداخلية في مطلع عام ۱٩۱٥م . وفي السنة التالية أمسى مراقباً للغرفة التي يشغلها في القسم الداخلي ، ومسؤولاً عن صديقه الشاب كيونو ، الذي تطغي عليه ملامح الأنوثة  ، وهو شاب مهووس باللياقة البدنية ؛ وقد وجد معه الحب .. الحب الذي يسميه هو نفسه ” حبي المثلي ” .
   في عام ۱٩۱٩م ، وقد بلغ من العمر عشرين عاماً ، أخذ يتردّد على دائرة أدبية صغيرة ، ضمّت مجموعة من الشباب المحبين ، والمتحمسين للأدب . وقد اتخذت هذه المجموعة الأدبية من إحدى المقاهي الأنيقة مكاناً لاجتماع أعضاؤها . في هذه المقهى التقى ياسوناري بنادلة شابة ، تدعى هاتسويو ، تعمل في المقهى ؛ وأحبا بعضهما سريعاً بعد هذا اللقاء . وفي خضم دهشة أصدقائه ، يقرّر ياسوناري ، في نزق ، الزواج من هذه الفتاة . وبالفعل يتمكن من أقناعها بقبول فكرة الزواج ، ويسارع لخطبتها من والديها . ومع ذلك ، عقب وقت قصير من الخطبة ، تقرّر الفتاة الانفصال عنه ؛ وترسل له رسالة تعتذر فيها عن الزواج ، من دون أن تورد تفسيراً واضحاً لذلك . إلّا أن هاتسويو الجميلة تركت بصمةً بالغة العمق في كتابات ياسوناري لاحقاً . ومن بين العديد من الشخصيات النسائية التي تعيش في كتبه ، كانت هاتسويو تمثل بالنسبة إليه رمزاً للجمال المثالي ، وصورة المرأة التي يتعذّر الوصول إليها . كان جمالها ملهماً له ، ومعيناً يستمد منه صور الجمال والإثارة في رواياته التي كتبها قبل الحرب العالمية الثانية ؛ لا سيّما في روايته ( حزن وجمال ) .
   تمكّن من نشر القصة القصيرة المعنونة ( تشيو ) في مجلة ( المجتمع الودود ) ، أثناء دراسته الثانوية ، وفي هذا الوقت أصبح صديقاً للكاتب المستقبلي المعروف توكو كون
( ۱٨٩٨ ـ ۱٩۷۷ ) .
   في عام ۱٩۲۰م ، تخرّج من المدرسة الثانوية الأولى ، والتي مكّنته من الالتحاق  بجامعة طوكيو الإمبراطورية ، كلية الآداب ـ قسم اللغة الإنجليزية . ولكنه في العام التالي غيّر هذا القسم ، وأصبح يدرس الأدب الياباني .
   سعى ، مع رفاق آخرين ، لإطلاق النسخة السادسة من مجلة دائرة الجامعة ( الفكر الجديد ) ، وقد التقى حول هذا الموضوع بالكاتب ، والناقد  هيروشي كيكوتشي الذي سيصبح من أقرب أصدقائه ؛ ونشر على التوالي العديد من القصص القصيرة المهمة ، بما في ذلك ( لوحة احتفالية تكريماً للجنود القتلى ) ، وقصة ( النفط ) . وعبر صديقه كيكوتشي يلتقي مع الأديب الشاب ريتشي يوكوميتسو ( ۱٨٩٨ ـ ۱٩٤۷ )الذي سيبقى صديقاً مخلصاً ، ورفيقاً رئيسياً في رحلة الأدب الحداثي . كما التقى آكوتاغاوا ريونوسوكي ، وماساو كومي ، وعدد قليل من الكتّاب المستقبليين الآخرين من جيله .       في عام ۱٩۲۲م ، بدأ يتقاضى أجراً عن قصصه القصيرة ، ومقالاته في النقد الأدبي ، ونشر ترجمات للكاتب جون جالزورثي ، روائي وكاتب مسرحي بريطاني ( ۱٨٦۷ ـ
۱٩٣٣ ) ، وتشيخوف ، قاص ومسرحي روسي ( ۱٨٦۰ ـ ۱٩۰٤ ) .             
في عام ۱٩۲٣م ، شارك كواباتا في هيئة تحرير مجلة ( بونجي شونجو ) الشهرية التي كان يرأس تحريرها زميله هيروشي كيكوتشي . فاجأه الزلزال العظيم ، الذي ضرب طوكيو ، في هذه السنة ، ودمّر معظم أجزاءها . جاب ياسوناري الأنقاض برفقة أصدقائه توكو كون ، وآكوتاغاوا . وفي هذا العام نشر قصته الرائعة ( سيد الجنائز ) ، وقصة ( نار الجنوب ) .
   خلال رحلة إلى شبه جزيرة إيزو ، يلتقي ياسوناري بفرقة جوّالة من الفنّانين الشعبيين ، وتؤدي رقصات رائعة . جذبته فتاة صغيرة ، وجميلة ، برفقة الفرقة ؛ وحرّكت عواطفه الجمالية ، إلى حدّ الإثارة الجنسية ، التي تعرّض لمثلها ، أثناء صداقته مع المراهق كيونو . أضف إلى ذلك سحر المكان الذي التقى فيه الفرقة ، حيث الينابيع الجبلية الساحرة ، والغابات المظللة . ستكون هذه التجربة الحقيقية مصدر إلهام لكتابة روايته ( راقصة إيزو ) التي نشرها عام ۱٩۲٦م ، وهي تحفته الروائية الأولى . وتكشف هذه الصورة أن كتابات ياسوناري مستوحاة ، أحياناً ، من أمور واقعية حدثت في سيرته الذاتية . وهي حقيقة يظهر صداها في العديد من أعماله الروائية الأخرى مثل : ( البحيرة ) ۱٩٥٤م ، ورواية ( ذكريات يوغاشيما ) ۱٩۲۲م ، و ( ضجيج الجبل ) ۱٩٤٩ ـ ۱٩٥٤ م ، ( الجميلات النائمات ) ۱٩٦۰ ـ ۱٩٦۱م
   في عام ۱٩۲٤م ، أنهى دراسته الجامعية بنجاح ، وكانت أطروحة تخرجه ( دراسة مختصرة في تاريخ الأدب الياباني ) . لم ينصرف كواباتا للبحث عن وظيفة ، أو عمل ،
بل توجّه مباشرة إلى ميدان المعترك الأدبي . ليؤسس مع ريتشي يوكوميتسو ، وتايبي كاتاوكا ، واثني عشر من رفاقهم المجلة الطليعية بونجي جيداي ( عصر الفن ) ؛ حيث تمخّض حراكهم الأدبي ، عبر هذه المجلة ، عن تأسيس مدرسة شينكانكاكوها أي
( المدرسة الحسّية الجديدة ) . وقد لعب كواباتا دوراً مركزياً مع أصدقائه مثل : توكو كون ، وريتشي يوكوميتسو ، في تأسيس هذه المدرسة ، وكتب كواباتا نفسه إعلان تأسيسها :
” إن مصير الذين يفكرون في المستقبل ، هو التخلي عن الماضي ، والتخلي عن الحاضر ” .
   في عام ۱٩۲٥م ، يلتقي كواباتا بزوجته المستقبلية ، ماتسوباياشي هيديكو ، ويقضي أغلب ذلك العام في جزيرة يوغاشيما ، حيث عقد صداقة مع المؤلف الشاب جيرو كاجي ( ۱٩۰۱ ـ ۱٩٣۲ ) الذي كان يخضع هناك للعلاج من مرض السل . ينشر مذكرات سنتي السادسة عشرة ، وقصصاً قصيرة ، نشرت فيما بعد في كتابه ( قصص بحجم الكف ) . كما نشر عدة مقالات في مجلة بونجي جيداي ، ولا سيّما ( ملاحظات حول الاتجاهات الجديدة للكتّاب الجدد ) ، وبيان ( مدرسة الحسّية الجديدة ) .
   في عام ۱٩۲٦م ، نشر كتابه الأول ( زخارف المشاعر ) ، وهو عبارة عن مجموعة من خمسة وثلاثين قصة من ( قصص بحجم الكف ) . فضلاً عن نشر ( راقصة إيزو ) في مجلة بونجي جيداي .
      كان ياسوناري شغوفاً بالتصوير الفوتوغرافي والسينما . لم يتردّد في قبول فكرة كتابة سيناريو فيلم صامت بعنوان ( صفحة مجنونة ) حالما عرضت عليه هذه الفكرة . وكانت تلك الفكرة للمخرج الياباني المعروف تينوسوك كينوغاسا (۱٨٩٦ ـ ۱٩٨۲ ) . وقد انعكس ولعه بالتصوير الفوتوغرافي والسينمائي على عمله الأدبي ، وفكرة التجديد فيه ، وأبرزت قصصه ورواياته معرفة عميقة بتقنيات التصوير السينمائي .
   في عام ۱٩۲٨م ، أقام كواباتا في منطقة أتامي ، ثم استقر في منطقة أوموري ، في طوكيو ، ونشر ( ليلة رجال العصابات ) . وفي العام التالي ، شارك في إنشاء مجلتين أدبيتين وهما : مجلة ( بونجاكو ) ، ومجلة ( كينداي سييكاتسو ) ، ونشر فيهما مراجعاته الأدبية بانتظام . وأثناء ذلك كان يتردّد باستمرار على منطقة أساكوسا ، وهي منطقة الملاهي ، والغيشا ، وفتيات الليل ، والمسارح ، شرق طوكيو ؛ التي ألهمته سلسلة لا بأس بها من الأعمال الأدبية ، وأهمها رواية ( أساكوسا ) . حيث يستحضر بأسلوب عصري ، الحياة البوهيمية في هذه المنطقة . ثم انتقل مرّة أخرى ، واستقر في منطقة أوينو . ويلاحظ هنا كثرة تبدّل أماكن سكناه ، وعدم استقراره ، النابع عن نفس مضطربة ، غير مستقرّة هي الأخرى .
   في عام ۱٩٣۰م ، نشر ياسوناري مجموعتين قصصيتين جديدتين ، من القصص القصيرة ، التي شكّلت عماد مجموعته القصصية الكبيرة ( قصص بحجم الكف ) .
   تزوّج ياسوناري كواباتا مدنياً في عام ۱٩٣۱م ، من ماتسوباياشي هيديكو ، ولكن طيف هاتسويو الجميلة ظلّ يسبح في سمائه طويلاً . وقد رفض فكرة الأبوة قائلاً :
” لا أستطيع تحمّل فكرة إلقاء يتيم مثلي في هذا العالم ” .
   كانت كتاباته في ذلك الوقت مشبّعة ببهجة مصطنعة . وفي خريف تلك السنة ، تصادف أن التقى هاتسويو ثانية ، بعد غياب طويل ، دام اثني عشر عاماً  ـ وهو حدث تم سرده في رسائل إلى والدي ـ ولكن البعض يعتبرونه وهمياً ، ومن صنع خيال الكاتب . ولكن الكاتب يصف الاجتماع الذي طال انتظاره ، وقد تبين أنه محبط للغاية . ممّا تسبّب في تغيير جذري في أسلوب كتابة ياسوناري ، الذي يدخل فترة من خيبة الأمل ، والاستجواب الذاتي ؛ بعد أن هشّم الواقع حلماً لذيذاً غائماً ، في سمائه الحزينة ، فاختفت الصورة المثالية لهاتسويو ، تلك الصورة التي ظلّت لوقت ليس قصيراً تدعم رسم الشخصيات النسائية في رواياته ، وتفسح المجال لأوهامه الخاصة . لذلك ، في أوائل الثلاثينات من القرن الماضي ، وصل إلى مرحلة النضج ، كرجل أدب ، وقدّم تفسيراً نهائياً لمفهومه عن الوجود .
في سن السادسة والثلاثين ، نشر سيرته الذاتية .
خلال هذه الفترة ، زار يوزاوا ، في مقاطعة إيتشيغو ، وهي لا تبعد كثيراً عن العاصمة طوكيو ؛ وتسقط فيها الثلوج لوقت طويل من العام ،  وتضم الآلاف من ينابيع المياه الساخنة ، ممّا جعلها منتجعاً راقياً . وهناك شرع ياسوناري بكتابة تحفته الخالدة رواية
( بلد الثلوج ) . وشرع في هذا المكان في تقديم يد العون إلى الكاتب تاميو هوجو  ( ۱٩۱٤ ـ ۱٩٣۷ ) المصاب بالجذام . تم نشر بعض الفصول من ( بلد الثلوج ) جنباً إلى جنب مع مجموعة من القصص القصيرة ، تلك المستوحاة من أجواء أساكوسا .
في العام نفسه ۱٩٣٤م ، انتقل إلى كاماكورا ، عاصمة الساموراي السابقة ، جنوب طوكيو ، لكنه أمضى الشتاء في زوشي . وعندما استحدث صديقه الكاتب والناقد كيكوتشي جائزة آكوتاغاوا ، تخليداً لرحيل الكاتب العظيم آكوتاغاوا ريونسوكي ، في عام ۱٩٣٥م ، أصبح ياسوناري عضواً في لجنة التحكيم . وتعد هذه الجائزة الأدبية ، حتى اليوم ، أهم جائزة في اليابان .
   سافر في العام التالي إلى منطقة شينشو ، وزار على وجه الخصوص كارويزاوا ، وهو منتجع جبلي يقدّر سحره كثيراً ، لدرجة أنه في العام التالي ، عام ۱٩٣۷م ، اشترى منزلاً ثانياً حيث أمضى الصيف حتى عام ۱٩٤٥م هناك . ألهمه هذا المكان الجميل بالعديد من الروايات ، والقصص القصيرة . كما واصل نشر فصول من رواية ( بلد الثلوج ) ، وكذلك من رواية ( أغنية إيطاليا ) ، و ( فالس الزهور ) . ومن ثم صدرت الطبعة الأولى من رواية ( بلد الثلوج ) في ذلك العام .
في عام ۱٩٣۷م ، نُشِرَت مجموعة من أعماله في عدة مجلدات .  
   في عام ۱٩٤۰م ، سافر كواباتا إلى مناطق يابانية متفرقة ، لأجل كتابة ( سجلات الرحلات ) . ثم قام بنشر ( حب أمي الأول ) ، و ( رحلة جميلة ) ، وغيرها .
مع ابتداء الحرب اليابانية ـ الصينية ، و دخول اليابان معارك الحرب العالمية الثانية ، فيما بعد ، تابع كواباتا نشاطه الصحفي ، الذي قاده إلى منشوريا مرتين . سافر وزار بكين ، وعاد إلى اليابان قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بثمانية أيام . ونشر مجموعته القصصية ( أولئك الذين يحبون ) .
   في نيسان ۱٩٤٥م ، تم إرساله إلى معسكر للقوات اليابانية ، في كاغوشيما ، كضابط إعلامي للبحرية الوطنية . وفي شهر مايس شارك في إطلاق صندوق قرض للكتب ، التي تخص مثقفين مقيمين في كاماكورا باسم ( مكتبة كاماكورا ) ، وسوف تصبح هذه المكتبة ، فيما بعد دار نشر ، يعمل فيها كأحد المحرّرين . وتقع مكاتبها في الطابق الأول من أحد المتاجر .
   في ذلك الوقت ، استقبل ، متبنياً ، في منزله فتاة من أقاربه ، وقد ألهمه هذا التبني بكتابة رائعة من روائعه القصصية ، وهي ( العاصمة القديمة ) .
   على الرغم من تأثره الشديد بهزيمة اليابان ، ومأساتها في الحرب العالمية الثانية ، نشر قصص قصيرة ، ورواية ( شجرة الحياة ) . انتقل إلى حي هاس في كاماكورا ، حيث سيكون منزله الأخير .
بعد الحرب ، أسس كواباتا وجون تاكامي ( ۱٩۰۷ ـ ۱٩٦٥ ) مجلة الرجل .
   في عام ۱٩٤۷م ، نشر قصة من أولى كتابات يوكيو ميشيما ( ۱٩۲٥ ـ ۱٩۷۰ ) المعنونة ( لا سيجارة ) ، وكانت تلك بداية صداقة أدبية وثيقة العرى ، طويلة العهد . وتلقي مراسلاتهم بين عامي ( ۱٩٤٥  ـ ۱٩۷۰ ) الضوء على الصلاة الدقيقة ، والعلاقة التي لم تتزعزع ، والتي تجاوزت بمرور الزمن علاقة الأستاذ بتلميذه .
نشرت النسخة الأولى ، الكاملة ، والمنقّحة من رواية ( بلد الثلوج ) في عام ۱٩٤٨م ، مع ( المرأة المتزوجة من جديد ) ، و ( المراهق ) . ثم بدأ ناشر آخر مختارات من أعماله ـ ستكتمل في عام ۱٩٥٤ م في ۱٦ مجلد ـ وتم جمعها لاحقاً بعنوان :
( الظل الوحيد ، مصير الألغام ) .
   يعتبر عام ۱٩٤٩م ذا أهمية خاصة لعمل كواباتا ، فهو أولاً ، وقبل كل شيء ، نشر
( سرب طيور بيضاء ) ، وهي رواية تشهد على اهتمام كواباتا بممارسة الجماليات المجردة ، وما لبث أن نشر ( ضجيج الجبل ) في عدة مجلات .
   في عام ۱٩٥۲م ، مُنِحَ جائزة ( أكاديمية الفنون ) عن روايتي ( سرب طيور بيضاء ) ، ورواية ( ضجيج الجبل ) التي لم يكتمل نشرها بعد . وتم التصويت على رواية ( سرب طيور بيضاء ) كأفضل عمل أدبي صدر تلك السنة .
في عام ۱٩٥٩م ، حصل على وسام جوته في فرانكفورت .
تم اختيار كواباتا عضواً في لجنة ( أكاديمية الفنون ) إلى جانب كل من كافو ناجاي ، وميمي أوغاو ، وهما روائيان مشهوران آخران .
بدأ نشر روايته ( الجميلات النائمات ) في عام ۱٩٦۰م . ثم أقام في مدينة كيوتو لعدة أشهر ، من أجل جمع التوثيق لروايتين ، قيد الإعداد .
   في ۲٨ شباط ۱٩٦۷م ، نشر كاواباتا ويوكيو ميشيما ، مع الكاتبين إيشيكاوا غون
( ۱٨٩٩ ـ ۱٩٨۷ ) ، و كوبو آبي ( ۱٩۲٤ ـ ۱٩٩٣ ) نص إعلان الأربعة ، الذي دعا الرأي العام الياباني إلى الاحتجاج على الثورة الثقافية الصينية .
   في عام ۱٩٦٨م ، تم تتويجه بجائزة نوبل للآداب ، وبهذا سوف يكون أول أديب ياباني ينال الجائزة ، التي جلبت له شهرة واسعة في العالم . وفي حفل توزيع الجوائز ، في ستوكهولم ، ألقى كلمة بعنوان ” اليابان الجميلة ونفسي ” ، مستهلاً كلمته بمقطع من قصيدة الكاهن الياباني دوجين ( ۱۲۰۰ ـ ۱۲٥٣ ) ، التي يتغنّى فيها بجمال بلاده :
” في الربيع أزهار الكرز ،
  في الصيف الوقواق ،
  في الخريف القمر ،
  في الشتاء الثلج صافِ بارد ” [٣] .
   منذ حصوله على جائزة نوبل ، لم ينشر كواباتا أي رواية ، أو عمل مهم ، ولكن فقط القليل من المقالات النادرة ، والقصيرة ، كان قد بدأ العمل على تعديل اللغة الحديثة لرواية ( جينجي ) ، وهي تحفة رئيسية في الأدب الياباني الكلاسيكي ، وأول عمل روائي في تاريخ اليابان ، من القرن الحادي عشر . هل جلبت له الجائزة مجداً ثقيلاً يفوق تحمّله وبات الآن يخشى الكتابة ؟  هل كان قلقاً من أنه لم يعد بقدرته المحافظة على مستواه الأدبي ، الذي وصل إليه ؟ ومع ملاحظة طبيعته الخجولة ، ومطلبه الدقيق لفنه ، وحساسيته الشديدة ، يعتقد أصدقاؤه أن هذا التفسير محتمل .
   كان يوكيو ميشيما تلميذه ، غارقاً في انتحاره غير التقليدي . هل تعلّم الكاتب القديم منه درساً في الرواقية ، يدعوه إلى عدم قبول شيخوخة العقل ، وتدهور الجسد أيضا ؟ هل أراد الأستاذ أن يقلّد تلميذه ؟ هذه الفكرة لا تزال متداولة في الأوساط الأدبية .
   في عام ۱٩٦٩م ، ألقى ياسوناري سلسلة من المحاضرات في جامعة هواي ، وجامعة سان فرانسيسكو ، بما في ذلك مقال قصير عن الجماليات اليابانية التقليدية ( وجود واكتشاف الجمال ) ، والذي تم نشره . حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة هواي ، وعضو فخري في الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب .
وقد تم في هذا العام نشر جزء من أعماله في تسعة عشر مجلّداً .
   في يوم ۲٥ / تشرين الثاني / ۱٩۷۰م ، أعلن عن انتحار صديقه الحميم ، الأديب الياباني الكبير ، يوكيو ميشيما ؛ في عملية استعراضية مدهشة ، لجأ فيها إلى طريقة السيبيكو الدموية . وقد أصاب فقده كواباتا بالحزن والقنوط ، وظل طيف ميشيما  يطارده في الحل والترحال  .
وفي هذه السنة ، أيضاً ، تأسّست في اليابان جمعية متخصّصة في دراسات أدب كواباتا .
   في يوم ۲٤ / كانون الثاني / ۱٩۷۱ ، ترأس كواباتا مراسم الجنازة لميشيما ، في معبد تسوكيجي هونكانجي في طوكيو ، وقرأ مقتطفاً من رسالة نبوية وجهها إليه صديقه في عام ۱٩٦٩م ، كما وردت في مراسلاتهما .
   في ۷۲ سنة و ۱۰ شهور ، ظلّ ياسوناري كواباتا متردّداً في فكرة الانتحار ، حتى اختار الغاز ، أخيراً ، لإنهاء حياته في يوم ۱٦ نيسان ، في تكتم ، في عزلة شقة صغيرة كانت بمثابة مكتب ثانوي له على حافة البحر في زوشي ، بالقرب من كاماكورا .
رحل ياسوناري في صمت ، من غير أن يترك تفسيراً لشرح إيماءته الأخيرة .
قبره اليوم في مقبرة كاماكورا . وقد توفيت زوجته هيديكو عام ۲۰۰۲م ، عن عمر يناهز خمساً وتسعين عاماً .
في عام ۱٩۷٣ ، تم إنشاء جائزة كواباتا لتكريم أفضل قصة قصيرة لكل سنة .
في عام ۱٩٨٥ ، تم تأسيس متحف كواباتا بالقرب من مدينة أوساكا .
                                                                                                  ◘ ◘ ◘ 
   غالباً ما يُوصف ياسوناري كواباتا بأنه رجل معقّد وسرّاني ، حداثي ، متجذّر في تقاليده اليابانية ، ومتذوّق رفيع في الأدب الغربي ؛ حزين ، صارم ، خريفي ، ويخفي ثراءً روحياً كبيراً . وهو بعد يعشق الوحدة ، والعزلة ؛ وقد قرأت ذات مرّة ، في مكان ما ، أن ياسوناري كان يشتكي من نظام التعليم في اليابان على النحو الآتي : ” لابدّ لنا من تعليم الأطفال اليابانيين المزيد من الوحدة ، الفكر لا يُولد ، إذا لم نعلّم الأطفال ما هي العزلة لن تكون هناك أية فكرة ” .    ” إنه أستاذ دقائق الأمور ، ذكي وألمعي . يعرف قدر نفسه حق المعرفة ، ومخلص تجاه ذاته . والثمرة الكبرى التي قطفها من شجرة ذكائه أنه لم ينخدع من جميع أنواع الأفكار والأيديولوجيات . الحقيقة تقول أن أعمال السيد كواباتا تمتليء بالسحر والجاذبية . أحد الأمريكان ، الذي قرأ الترجمة الانجليزية لرواية ( بلد الثلوج ) ، أعرب عن تأثره الشديد بالقول : لم يسبق لي قراءة رواية بمثل هذا التفرد والتميز ” [٤] .                                                               ترك ورائه عملاً من الثراء ، والجمال الخالد ، في نوع من الكتابة شخصيّة للغاية ، والتي تصل أحياناً إلى شكل من أشكال النشوة ، والعظمة في الرسم .
طوال رحلته الأدبية كان يبحث عن الجمال ، والحزن ، والوحدة ، والموت . يحاول ياسوناري أن يرسم بحسّاسية ، وتواضع مأساة المشاعر الإنسانية لكل نفس . أجرى عدة تجارب على اللغة اليابانية ، ولغته الأدبية تقدم بالفعل تعدّد الصور ، والفروق التعبيرية المفردة .
   إن التنوع الكبير في الموضوعات التي تناولها ، يعكس عملاً متنوعاً ، ولكنه مترابطاً ؛ ممّا يوفق بين الواقع والحياة اليومية ، واللاعقلانية ، والعالمية . يغلب على أعماله الشكل المختصر ، بصورة خاصة ، والتعرية الأسلوبية المتطرفة ؛ ممّا يمنحها قوة استفزازية ، وإيحائية مذهلة . وقد كتب ديفيد بارنهيل ، الباحث الأمريكي ، في ديانات وآداب شرق آسيا ، بعمق ، عن ياسوناري كواباتا ، حيث يقول :
” الحياة في واقعها عبارة عن مزيج من الأشياء الحقيقية ، وغير الصحيحة ، والنقية وغير النقية ، والصادقة وغير الصادقة . الروائي الذي يعيش حياة غنية روحياً ، سيكون فقط قادراً على انتقاء الأشياء الصحيحة ، والنقية ، والصادقة في الحياة ؛ ثم إعادة ترتيبها لإنتاج نسق للواقع أجمل من النوع اليومي . لا يستطيع الإنسان الذي يعيش حياة محرومة روحياً أن يفعل ذلك . بشكل عام يمكن القول أن أفضل مادة أدبية بالنسبة لكواباتا كانت حياة حيوية ، وإيجابية ، ونقية . والحياة النقية كما تصوّرها ديناميكية .
إنها طاقة تتولّد من السعي وراء المثل العليا “.
   واستنكر كواباتا النقّـاد الذين وصفوه مراراً بأنه كاتب منحط ، أو عدمي . أوضح ذات مرّة يقول : ” لم أكتب قصة فيها انحطاط أو عدمية لموضوعها الرئيسي ” . ما يبدو في تلك القصص ، في الحقيقة ، هو نوع من التوق الحيوي ؛ حيث يتوق بطل كواباتا النموذجي إلى شيء بعيد جداً ، لدرجة أنه يبدو بعيد المنال ؛ وبالتالي فقد اعتبره القرّاء العاديين أنه عبثي ، وكتاباته ” مضيعة للجهد ” . ورأوه رجلاً فقد كل إيمان بالحياة . لكن الحياة تشتعل بشكل أكثر نقاءً وجمالاً ، عندما تتوق إلى مثال بعيد . قد لا يكون المثل الأعلى ممكناً ، ولكن الجهد المبذول لتحقيقه جميل ” [٥] .
   كان ياسوناري مخلصاً جداً لأدبه ، ومتمسّكاً بيابانيته ، ولا أدلّ على مثل هذا القول ما ذكره يوكيو ميشيما ، حينما قال :
” كانت آخر جملة في كلمة العزاء ، التي ألقاها السيد كاواباتا في تأبين الأديب الراحل
( يوكوميتسو ريتشي ) ، الذي وافته المنية عام ۱٩٤۷م : ” صديقي يوكو مياسو ، سأعيش بعدك جاعلاً من جبال اليابان وأنهارها روحاً لي ” . وقد نقّذ كواباتا تلك الجملة بعد ذلك بإخلاص تام ” [٦] .
                                                                                                       ◘ ◘ ◘
 لغته وأسلوبه :
استخدم أسلوب بسيط في المفردات والنحو ، ولكنه معقّد في المعنى والدلالة . لغته حسّاسة ، أثناء فهم كل كلمة منه قد يشعر القارئ بشيء لا يمكن وصفه تحت السطح الواضح .
” كان السبب وراء إصرار كواباتا على اللغة البسيطة هو اعتقاده أن الوصف اللفظي ، بغض النظر عن مدى تفصيله ، لن يكون قادراً على تصوير الجمال الطبيعي في أبهى صورة . كانت الكلمات دائماً ناقصة بالنسبة لكاتب يسعى للتعبير عن ما لا يمكن وصفه .
الوصف من شأنه أن يتعدى على خيال القارئ ، وكواباتا لم يعجبه ذلك . نظراً لأنه رأى الجمال على أنه شخصي ، فإنه يفضل دعوة القارئ للتخيل .. وبينما يسعى كل كاتب لخلق بيئة ملائمة لرواياته ، يحاول كواباتا كذلك أن يكون حريصاً على إعداد كون فريد خاص به . في عوالمه تأتي بعض الكلمات الأكثر شيوعاً لها معاني خاصة ، على الرغم من أنها قد تختلف نوعا ً ما من قارئ إلى آخر . يظهر التوتر بين عمومية الكلمة وخصوصيات السياق ، ويصبح هذا التوتر مصدراً لتحفيز خيال القارئ ” [۷] .
إن هذا النمط من الكتابة يلجأ إلى الترميز غالباً ، فيصبح الأسلوب الرمزي مهماً في توصيل الصور إلى أذهان القرّاء ، من غير أن يحد من دلالات المعنى المقصود .
غالباً ما يميل فن كواباتا إلى الرمز . يلجأ إلى استخدام مفردات بسيطة ، وإلقاء سهل . وأسلوبه في النثر كان واضحاً بشكل مخادع ، من خلال الجمع بين البساطة اللغوية والغموض الأدبي . لقد وضع ياسوناري يده على موضع خاص من النثر الأدبي الياباني لم يقترب منه كاتب آخر .
   عند التمعن في كتاباته الجميلة ، يشعر القارئ بالحب النقي ، غير الأناني ، الذي يبذله الفنّان ، والجمال الممزوج بالصدق والحزن . علاوة على ذلك ، غالباً ما يُلاحظ الجمالية الرمزية في كواباتا بتركيزها على الروحانية ، والثقافة ، مثل أعمال أشهر كتّاب الحداثة في العالم : ت . س . اليوت ، جوزيف كونراد ، ييتس ..
يستخدم كواباتا العلامات الجمالية كمفاتيح لفنه .
   ” من السمات الفريدة لليابان ، ما يشير إليه ستيف أودين على إنه أولوية تجربة القيمة الجمالية أو الحدس الفني ( البديهية ) ، باعتباره السمة المميزة للثقافة اليابانية . تتغلغل أولوية الجماليات هذه حتى في أكثر ظروف الحياة اعتدالاً في اليابان . لدرجة أن مشتريات المتاجر العادية تكون مغلّفة باهتمام شاق ، لعرضها الجمالي النهائي . أو يتم تحضير الطعام ، وتقديمه ، مع التركيز على جاذبيته الجمالية ، حتى الركوع والجلوس .
تبدو جميع الأشياء والأمور لها مكونات جمالية واجتماعية . إن هيمنة الجماليات في ثقافة مليئة بالأسرار الروحية التقليدية للشنتو والبوذية ، تعني أن هناك طبقات معقّدة تحدث في التعبير الفني الياباني ، مثل دمج الجماليات ، والدين ، والثقافة ، ومن ثم يجب أن ينظر إلى روايات كواباتا على أنها تعبير عما يعني أن تكون يابانياً : الذات التي تعيش مع الطبيعة ، والثقافة ، والروحانية ، من خلال التطبيق المنضبط لعلم الجمال ” [٨] .
   يكتب كواباتا بأسلوب شخصي للغاية ، وتحقّق أعماله كمالاً نادراً في التعبير عن الإحساس الجمالي النقي .
ويصوّر شخصياته بعلم نفس حقيقي ، ويتتبعهم حتى أعماق انحرافاتهم ؛ مع ملاحظة أن كواباتا أعرب عن إعجابه بدور التحليل النفسي في الرواية الحديثة ، إلّا أن إبداعه الأدبي لا يعبّر بوضوح عن الأدب النفساني ، ولا يمكن مساواة رواياته بروايات التحليل النفسي الشائعة .
   في قصصه نجد بحثاً جمالياً ، يجمع بين النقاء والشهوانية ، والبحث عن أهم تعبير أساسي عن الأحاسيس . لمسته بارعة حينما يرسم صوراً عن مواضيع غريبة ، وحسّاسة ، عن الوحدة ، والكآبة ، والموت ، والجمال ؛ إنه يلتقط تلك اللحظات العابرة من الحياة ، عندما يتغير كل شيء .
   الغموض سمة من سمات كتاباته ، كما هو الحال في العديد من الروايات اليابانية ، يجتمع الواقعي وغير الواقعي معاً . تتناوب وفرة الصور مع الفراغات والصمت .
    يمكن للمرء أن يتتبع أصول كواباتا الحسّي ـ الذي يوصف من قبل البعض بأنه غنائي أو شعري ـ  إلى أقدم شعر في اليابان . يمكن التعرّف على الأسلوب بشكل أكبر مع أسلوب شاعر الهايكو ، وكاتب مذكرات السفر ماتسوو باشو (۱٦٤٤ ـ ۱٦٩٤ ) . وعلى المستوى العالمي ، يتوافق الأسلوب مع ذلك الموجود في الرواية الغنائية الغربية . يمكن النظر إلى التفكير ، والرمزية البوذية ، والشنتوية ، على أنها زودت كواباتا بمواد موضوعية  ، ورمزية من أجل عمله . إحدى الروابط المهمة ، بشكل خاص ، مع الشنتوية هو استخدامه للمياه ، لترمز إلى التنقية [٩] .
    الإلهام الشعري والحسّي أهم ما يميز كتاباته ، مهووس بالبحث عن الجمال الهادئ ،
يسعى إلى التقاط الانطباع النقي . وعمله مكرّس للتعبير عن الشعور العابر ، الذي يشعر به في رؤيته لمنظر طبيعي ، أو وجه ، أو جلد امرأة ، أو رحلة فراشة ؛ واستعادة هذا الغير محسوس ، الذي لا يدوم سوى بضع لحظات فقط . هذا الواقع المفرط الذي يجعل الانفعالات ، التي لا توصف للمشاعر أكثر وضوحاً . هذه الانطباعات العابرة ، والتي تشكّل الفروق الدقيقة للروح البشرية .وهكذا يمكن قراءة روايات ياسوناري على أنها لوحات تصويرية متناقضة ، ومحسّنة ، تنقل القارئ إلى عالم غني ، وغامض ، ومتعدّد الحواس . وهو يتعامل بمهارة مع الكتابة الشعرية ، الشبيه بالحلم ، ويقدم لنا روايات تأملية رائعة ، تسيطر سريعاً على عواطفنا ، بدقة ، وتواضع ، وحميمية شخصياتها ، ونقائهم ، وحنان مشاعرهم وعلاقاتهم .
   غالباً ما يعزّز كواباتا انطباعاته الحسّية من خلال ملاحظاته عن الطبيعة المحيطة ،
” زاد حشد الفراشات البيضاء باستمرار ، وصنع مثل حقل من الزهور البيضاء ” .
” لدى كواباتا أسلوب مميز ، تلميحي ، متأثر بالهايكو الياباني الكلاسيكي ، ويعكس اقتصاده في اللغة ، وهي الميزة المشتركة مع هذا الهايكو . غالباً ما  يميل إلى الجمل القصيرة ، وعباراته السردية مقسّمة إلى فقرات قصيرة ، تحتوي الفقرة ، عادة ، على جملة واحدة ، أو جملتين ، أو ثلاثة .
ولديه أيضاً بعض الجمل الطويلة ، التي يلجأ إليها أحياناً ، بحسب مقتضى الحال .
وكان كواباتا متأثراً جداً بـ ( الرينجا ) اليابانية ، وهي شكل قديم من الشعر كان شائعاً في اليابان ، وكان جزءاً من المعرفة الثقافية المطلوبة للمجتمع الراقي . وفي أسلوبه يعكس تيار الوعي ، ويستخدم بشكل مميز أسلوب ( البؤرة  ) في التقاط لمحاته  التصويرية . أسلوب كواباتا ناعم ، متقطع ، وغير مألوف ، وعادة ما يتجنّب النقد الشديد تجاه المواضيع المزعجة ” [۱۰ ] .
   لم يربط كواباتا نفسه بالأدب الغربي ـ الذي تأثر به بشدة ولا شك ـ ولكنه يربط نفسه وأدبه بجماليات الأدب الياباني وثقافته العريقة ، وقيمه الروحية الشنتوية ، والبوذية ، ويخضع ، من غير مقاومة لحب الطبيعة الساحرة في جزر اليابان ، التي راحت تزين صفحات كتبه . يقول أحد الباحثين في الأدب :  ” أعتقد أن روايات كواباتا هي من أروع القصائد الغنائية في القرن العشرين “[۱۱] .
                                                                                                      ◘ ◘ ◘
 )shinkankakuha  المدرسة الحســـّــية الجديدة في اليابان :
                   
   المدرسة الحسّية الجديدة : هي مجموعة أدبية يابانية ، ظهرت قبل الحرب العالمية الثانية، بقيادة ريتشي يوكوميتسو ( ۱٨٩٨ ـ ۱٩٤۷ ) ، وياسوناري كواباتا ، والتي انصبّ اهتمامها باستكشاف ( انطباعات جديدة ) أو ( تصوّرات جديدة ) ، في كتابة الأدب الياباني . كتب ريتشي يوكوميتسو يقول : ” إن ظاهرة الإدراك لدى المدرسة الحسّية الجديدة ، باختصار هي الإحساس المباشر والبديهي للذاتية ، التي تقشّر الجوانب الخارجية الطبيعية ، وتقفز إلى جوهر الشيء نفسه “[۱۲] .
   في القرن التاسع عشر، نضجت ثمار الثورة الصناعية ، في الغرب . وعظم شأن الرأسمالية الغربية . وقد انعكس هذا التطور على كل نواحي الحياة ، بما في ذلك النشاط الثقافي ،  والفني ، والأدبي . وفي هذا القرن بدأ عصر ميجي ، أو عصر الحكومة المستنيرة في اليابان ( ۱٨٦٨ ـ ۱٩۱۲ ) ، وهو عصر انفتاح اليابان على العالم ، ولا سيّما الغرب ، بعد عزلة تاريخية طويلة . وكان طموح حكومة هذا العصر ، هو جعل اليابان قوة اقتصادية ، وعسكرية ؛ وأن تكون بلادهم ندّاً للقوى الغربية . لذلك بدأت المظاهر الحضارية ، العصرية ، الغربية ، تجتاح حياة اليابان . وشهدت البلاد تبدلات ، وتحوّلات عميقة في مختلف النواحي ، والميادين . وكانت الحياة الثقافية ، والأدبية قد أفلحت في نيل نصيبها من التغيير والازدهار .
   وفي مطلع القرن العشرين ، تنافست مدرستان أدبيتان على تسيّد المشهد الأدبي في اليابان . وعُرِفَت المدرسة الأولى باسم ( المدرسة الطبيعية ) ، التي هي في حقيقتها امتداد للواقعية ، والثانية مدرسة ( الأدب البروليتاري ) ، التي ظهرت في اليابان آنئذِ بتأثير الثورة الاشتراكية في روسيا ، وظهور الإتحاد السوفيتي ، وقيام الشيوعية . وكان يمثل كلاً من المدرستين عدد كبير من الأدباء اليابانيين .
   بعد زلزال طوكيو الكبير ، والحريق الهائل الذي تسبّب فيه عام ۱٩۲٣م ، لحق بعاصمة البلاد ، وما جاورها خراب ، ودمار عظيمين . وقد تطلّب الأمر أعادة الإعمار ، والبناء وفق أسس عصرية ، وحديثة . وعلى الأثر ، كانت هنالك تحوّلات في التقنيات الجديدة مثل : مترو الأنفاق ، والطائرة ، والراديو ، وما إلى ذلك . في هذه الأثناء ، ظهرت مفاهيم جديدة للحياة في اليابان ، بسبب التطورات التكنولوجية . وبالنتيجة انطلقت أفكار الحداثة في الأدب والفنون ، ولا سيّما بين الشباب ، الأكثر حماساً ، ونزعة إلى التجديد .
   وفي أوربا اضطرمت  ، في ذات الوقت ، نار المذاهب الفنية ، والأدبية الحداثية ، وبات لظاها يصل إلى اليابان ؛ ويصيبها بحراك أدبي مستعر ، يرفض القديم بكل أشكاله وينزع نحو التجديد ؛ فالحياة الجديدة تتطلب أدباً جديداً ، وأساليب تعبيرية جديدة أيضاً . وفي اليابان ، سعى جمع من كتّاب القصة والرواية الحديثة  لتأسيس مجلة أدبية عصرية ، حداثية .. مجلة أطلقوا عليها اسم ( بونجي جيداي ) ، أو ( العصر الفني ) .  
   وكان يوكوميتسو ريتشي ، وياسوناري كواباتا ، مع مجموعة أخرى من كتّاب شباب تتألف من أربعة عشر أديب  ، قد ساهموا في هذا العمل الوليد في عام ۱٩۲٤م . بدعم من زميلهم الأديب هيروشي كيكوتشي ، ومجلته ” أدب الربيع والخريف ” . وقد تصدّت هذه المجلة ، منذ انطلاقها ، لمعارضة الاتجاهات الأدبية السائدة آنذاك  ؛ التي كانت تقبع تحت تأثير الطبيعية اليابانية ، والأدب البروليتاري . تهدف مجموعة مجلة ( العصر الفني ) منذ تأسيسها إلى إنشاء أدب جديد ، تأثر بالأدب الغربي الحداثي ومدارسه الجديدة ، واستخدمت استعارات تجريبية وفيرة في أعمال كتّابها . وحينما أطلق الناقد الياباني المعروف تشيبا كاميو ( ۱٨۷٨ ـ ۱٩٣٥ ) على هذه المجموعة اسم ( مدرسة الحسّية الجديدة ) ،                                                                    
 ، ووصف أسلوبهم في الكتابة بأنه مشابه لأسلوب بول موراند ،Shinkankakuha
الروائي الفرنسي ( ۱٨٨٨ ـ ۱٩۷٦ ) ، كما أشار إلى المشاعر والأحاسيس التي يكتبون بها ، واصفاً إياها بأنها أكثر حداثة من أي فن شعور سابق ، وهي حيّة للغاية من حيث المفردات أو الشعر أو الإيقاع . قرّروا تولّي دورهم الحداثي مباشرة ، وأطلقوا على أنفسهم أيضاً اسم ( المدرسة الحسّية الجديدة ) .
   كان الأدب من أهم ما تمخّضت عنه الحركة الفنية ، المعروفة الآن باسم الحداثة ، والتي بلغت أوج نضجها ، وحراكها ، في العشرينات ، والثلاثينات من القرن الماضي ؛ في ظل ظروف محفّزة ، كان لها تأثيرها الفعّال على كل صعيد ، تمثّلت ” بنمو الرأسمالية اليابانية الصاعدة ، والنزعة الاستهلاكية ، والحياة الحضرية الجديدة ، عقب ما خلّفه الدمار الشامل للحرب العالمية الأولى (۱٩۱٤ ـ ۱٩۱٨ ) [۱٣] .
   بعد تألق عدد من الفنّانين ، الذي تسنّموا مكانتهم الثقافية ، في المجتمع الياباني ، سارع بعض الروائيين الحداثيين لابتكار أسلوب جديد للكتابة ، واستخدموا في أعمالهم عناصر حديثة ، مختلفة : مثل شخصية : المرأة الجديدة ” ، والمقهى ، والصالونات . ووصفوا أيضاً الحياة الفخمة ، والفاخرة ، في المدن العالمية . جذبت هذه القصص والروايات الكثير من القرّاء ، لا سيّما الشباب ؛ مما أكسب الكتّاب شعبية واسعة ، كممثلين للعصر الأدبي الجديد . ” ومع ذلك تم تمويه أعمالهم ، من خلال مجموعة من الاستعارات ، وبقيت أفكار المؤلفين ، ومشاعر أبطال القصص مخفية . كانت سمعتهم مثيرة للجدل دائماً بسبب صعوبة فهم نصوصهم ” [۱٣] .
   تعتبر هذه المجموعة الأدبية اليابانية ، ودراستها المثيرة للجدل ، بداية الحداثة اليابانية . وفي الوقت نفسه كان الكاتب الفرنسي بول موراند قد ذاع صيته في فرنسا ، وعموم أوربا ، وأمريكا أيضاً . وقد راحت شهرته ، وأعماله المترجمة إلى اليابانية ، تجذب الشباب الياباني الحديث ، أضف إلى ذلك أن الأوضاع التاريخية والاجتماعية المعقّدة ، التي كانت تمر بها اليابان ، قد أفرزت أفكاراً اجتماعية جديدة مثل : اللاسلطوية ، والعدمية ، والانتماء … وقد حاولت هذه الاتجاهات الأيديولوجية تحويل الناس من الدوافع الخارجية إلى القلق الداخلي .لذلك سرعان ما انتشرت العدمية  ، واليأس ، والتوجه الغربي بعد الحرب ، المتمثل في الرغبة في السعادة الفورية في المجتمع . ممّا عجّل في البحث عن نوع جديد من الأدب ، وهذا ما أسفر عن  ولادة مجلة ( العصر الفني ) ، التي انبثقت منها ( المدرسة الحسّية الجديدة ) . فلا غرو إذن من أن تتسم هذه المجموعة بالتشاؤم ، والوحدة ، واليأس ، والقدر ، والعدمية ، والغموض ، وحتى الأناركية *، وهي خصائص رئيسية تتسم بها أعمالهم .
ثمة ملاحظة جديرة بالذكر ، في هذا الصدد ، وهي أن النثر في اليابان هو أكثر الأنشطة الثقافية رواجاً ، أكثر من الشعر والدراما . وإلى جانب الروايات يمكن للمقالات أن تشكّل أحد أهم مجالات النشاط الثقافي نشاطاً في الأدب الياباني المعاصر .
   في عام ۱٩۲٤م ، استشهد الشاعر ، والمترجم الياباني هوريغوتشي دايجاكو بعمل الروائي الفرنسي بول موراند كرمز لعصر جديد . بدلاً من استخدام المنطق العقلاني لوصف العلاقة بين الأشياء ، استخدم موراند منطق الحواس . ألهمت أعماله العديد من المؤلفين اليابانيين لبدء الكتابة بأسلوب جديد ، ودفع يوكوميتسو وجمع من زملائه ، لتأسيس مجلة ( العصر الفني ) . كافح ياسوناري كواباتا ، بوصفه أحد المؤسسين ،
لتحديد ماهية القديم والحداثة ، على الرغم من أنه أشار إلى (  المدرسة الحسّية الجديدة ) على أنها كانت جزءاً لا يتجزأ من الأدب الجديد . إلًا أن مفهوم الحداثة بقي غائماً ، غير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* : الأناركية ، وتعرف أيضاً اللاسلطوية ، وهي فلسفة سياسية ترفض التسلسلات الهرمية للسلطة . ويرى أتباعها أنها غير عادلة ، ولذلك يدعون إلى هدم السلطات ، وإقامة دولة مبنية على أساس جمعيات تطوعية غير هرمية .
واضح الملامح . أخيراً نشر كواباتا مقالته في العدد الرابع من مجلة ( العصر الفني )
ليوضح أن الأدب الغربي ألهم أسلوباً جديداً للكتابة في الأدب الياباني يُسمّى ” الأدب الجديد ” .
   وعلى الرغم من ارتباط تأثير بول موراند بظهور الأدب الجديد في اليابان ، وولادة      ( المدرسة الحسّية ) ، إلّا أن هذه العلاقة لم تكن أبداً موضوعاً رئيسياً لأي دراسة أكاديمية سابقة . وقبل التوسع في الحديث عن ( المدرسة الحسّية الجديدة )  أود الإشارة إلى الأديب بول موراند ؛ سيّما أنه ، وأعماله الأدبية ، يكادان يكونان بحكم المجهولين للجيل العربي الحديث .
” بول موراند ( ۱٨٨٨ ـ ۱٩۷٦ ) : كاتب قصة قصيرة ، وروائي ، وكاتب رحلات ، وشاعر ، وكاتب سيناريو ، وكاتب سيرة . كان أديباً ، ودبلوماسياً ، وبوهيمياً . وهو أحد أشهر الكتّاب الفرنسيين خلال فترة بين الحربين العالميتين ، الأولى ، والثانية . وُصف نثره بأنه ذكي ، سريع الخطى ، غني بالصور ؛ وقد صنّفه الكثير من النقاد على أنه حداثي فرنسي ، ومتخيل ، مثل العديد من الكتّاب الحداثيين . استغنى موراند عن التحولات بين الأحداث ، والصور المؤثرة ، من أجل الحفاظ على كثافة السرد . وقد وصفه الناقد ريتشارد سنيورث بأنه أحد أعظم البدو الرحل في الأدب الفرنسي في القرن العشرين”[۱٣] .
” ويستعير موراند في كتاباته تقنيات السينما لتغيير المشهد السريع ، ونقله للقارئ ذهاباً وإياباً ، من عاصمة إلى أخرى . في وقت لاحق كتب مجموعات من القصص القصيرة والروايات ( مفتوح طول الليل ) ۱٩۲م ، ( مغلق طول الليل ) ۱٩۲٣م ، ( لويس وإيرين ) ۱٩۲٤م ، ( الرجل في عجلة من أمره ) ۱٩٤۱م ، ( هيكات وكلابها ) ۱٩٥٥م ، ( كنْ هادئاً ) ۱٩٦٥م . [۱٤] . يتفوق موراند بجملته الناعمة ، ونثره الأنيق ، وتعبيراته الغريبة ، الجديدة ، وتأكيده على الحواس ، ولا يتردّد عن الأدب المكشوف ، على الرغم ما يثيره ذلك من نقمة واحتجاج ” [۱٥] .
   قدّم هوريغوشي دايجاكو موراند باعتباره دادائياً ، وأشار إلى أن كتاباته كانت نموذج لعصر جديد ، وقد ألهم الشباب أسلوب تجريبي في الكتابة . وقد جاءت تعليقات الشاعر والمترجم هوريغوشي في مقدمة كتبها للمجموعة القصصية المترجمة عن الفرنسية لموراند ، وهي مجموعة ( مفتوح طول الليل ) ، وكانت تتضمن بعض القصص الإيروتيكية  . ولكن أسلوب موراند في الكتابة هو الذي جذب انتباه القراء وليس مواضيعه .
   في شهر تشرين الأول ۱٩۲٤م ، وبعد ثلاثة أشهر من نشر ( مفتوح طول الليل ) تم إطلاق مجلة ( العصر الفني ) ، وتم تحريرها من قبل جميع أعضائها . ودعا هؤلاء الأعضاء النقّاد والكتّاب ، من خارج مجموعتهم ، إلى النشر في مجلتهم . وكان ياسوناري كواباتا هو من أطلق هذا الاسم على المجلة . 
    في الواقع كان الأديب والناقد الياباني هيروشي كيكوتشي ( ۱٨٨٨ ـ ۱٩٤٨ ) ، قد أوسع مجلته ( وقائع الأدب ) أمام النتاج الأدبي لهؤلاء الشباب ، وقد درجوا على النشر فيها بعض الوقت . ولكن عقب زلزال طوكيو المدمر ، وجد هؤلاء الشباب ، وفي مقدمتهم ياسوناري كواباتا ، ويوكو ميتسو ريتشي ، أن الفرصة سنحت أخيراً لابتكار ” أشياء جديدة ” ؛ فأسفر سعيهم عن تأسيس مجلة ( العصر الفني ) . لم يستطيعوا إلّا توضيح موقفهم ، كمخترعين لأدب جديد ، وليس كأتباع للجيل الأدبي السابق . اختار هؤلاء الكتّاب اللحظة المناسبة للاستقلال عن معلمهم الأدبي  . من المؤكد أن هذه الحركة خلقت انطباعاً سلبياً في الأوساط الأدبية اليابانية ، وبالتالي باتت موضوعاً للنقد . وفي الواقع لم يكن هذا الموضوع هدفاً للنقد وحسب ، بل كان أسلوبهم في الكتابة في مرمى النقد هو الآخر.
   صدر العدد الأول من مجلة ( العصر الفني ) في تشرين الأول عام ۱٩۲٤م ، وقد كتب يوكوميتسو ريتشي قصة قصيرة بعنوان ( رأس وبطن ) ؛ مستعملاً فيها لغته الجديدة . وقد أثارت نوعاً من الجدل في المجتمع الأدبي ، وفي ذات الوقت تم الاحتفاء باللغة ، كمثال على طريقة جديدة للتعبير . وعلى صعيد آخر تم انتقادها من قبل البعض الآخر ، باعتبارها زخرفية مفرطة .
وفي العدد الثالث من المجلة ، كانون الأول ۱٩۲٤م ، أشاد الكاتب كاتاوكا تابي بهذا الأسلوب . تم التعرّف على لغة يوكوميتسو بطريقة ايجابية ، وسلبية ، على السواء ، كتعبير تمثيلي عن ( المدرسة الحسّية الجديدة ) .
   في عام ۱٩۲٥م ، لاحظ  الكاتب كومياما أكيتوشي أنه منذ أن أذهلت لغة يوكوميتسو القرّاء ، تعرّض كتّاب ( المدرسة الحسّية الجديدة ) لانتقادات ، لأنهم ابتكروا أسلوباً جديداً في الكتابة من دون أيّة أيديولوجيا أو نقد اجتماعي .
أشار ياسوناري كواباتا إلى أن الروائي ناكاجاوا يويتشي ( ۱٨٩۷ ـ ۱٩٩٤ ) ، نجح في تأسيس أسلوب الكتابة الحسّية الجديدة ، هو الآخر أيضاً . وقد ركّز الباحث الأدبي أوداجيرو هايدو على ناكاجاوا كأحد الروائيين الممثلين للحركة . أحد أعمال ناكاجاوا القصصية التي نشرها في مجلة ( العصر الفني ) هي قصة ( خضروات مطرزة ) ، التي ظهرت في العدد الثاني من المجلة . يقارن ناكاجاوا الخضار الطازجة بجمال شخصية الزوجة الشابة في القصة ، مما يخلق جوّاً غريباً ؛ وهذا هو المشهد الذي تقشّر فيه الزوجة الشابة التفاحة :
[ بعد أن قامت بفرز السلّة ، التقطت ثلاث تفاحات خضر من بين الخضار . يا له من عطر أنيق وطازج ! يبدو أنها تستطيع أن تشعر بنبضها الذي يمر عبر برودة السطح .كانت الزوجة تقشر التفاح بمهارة . أمسكت بها بأصابعها المرتعشة وبدت كأنها تحاول تطريز السطح الدائري للتفاحة ] .
تقشر التفاحة بحسّاسية ، وكأنها تطرزها ، يصف هذا المشهد حب الزوجة الشابة ، ولطفها تجاه زوجها ، وحياتهما معاً . في الوقت نفسه ، يتم وصف الزوجة حسّياً من خلال المقارنة بينها وبين الخضار . تُخلي الباذنجان وتعجب بجماله :
[ لم تملّ أبداً من جمال الباذنجان ، من خلال رؤية ظل النافذة العلوية على سطحه ].
توصف الخضار بأنها طازجة وحسّية على حد السواء ، وتكشف بشكل مجازي عن شخصيتين مختلفتين للزوجة . نجحت هذه القصة في إظهار منظور جديد في الحياة العادية للقرّاء .يمكن أن تمثّل الخضروات النضارة والجاذبية الحسّية أيضاً . أشار مياسكا ساتورو إلى أن ( الخضار المطرّزة ) تمت قراءتها كأسلوب تجريبي للكتابة بنفس طريقة قراءة قصة ( رأس وبطن ) للكاتب يوكوميتسو .
وقد تعرّض أسلوب القصة للنقد ـ من بعض النقّاد ـ ولكن حبكتها ظلّت بمنأى عن النقد .
ومع ذلك فمن الصحيح أن نقول إن هذه القصة كانت ناجحة ، لأن التعبير التجريبي لم يفسد الحبكة . ولا يزال بإمكان القرّاء تقدير الحياة العادية للزوجين الشابين في هذه القصة .
إن مثل هذه القصص نجحت في إنشاء استعارات أصلية .
 ، أي (W.C)ونفس الشيء يقال عن قصة إيناجاكي تاروهو ، التي تحمل العنوان
المرحاض ؛ وفيها وصف إيناجاكي الجمال الذي يمكن أن يجده في المرحاض .
على الرغم من أن كتّاب ( العصر الفني ) انتقدوا تركيز النقّاد على أسلوبهم الأدبي ، إلّا أنهم اعترفوا بأن أسلوبهم في الكتابة كان أحد سماتهم البارزة .
” بعد شهر من صدور العدد الأول من المجلة ، أشار الناقد الياباني تشيبا كامبو ،
( ۱٨۷٨ ـ ۱٩٣٥ ) في مقال له حول هذه الموجة الأدبية الجديدة ، إلى تشابه أسلوب الكتابة بين كتّاب ( المدرسة الحسّية الجديدة ) وبول موراند في كتاباته . في الواقع إن مصطلح ( المدرسة الحسّية الجديدة ) أضحى أكثر شهرة ، وتداولاً من اسم المجلة        ( العصر الفني ) . في بداية المقال ، لاحظ شيبا أن ” أدب اليوم كان في حالة انحلال ، وبالتالي حاول الروائيون الشباب إصلاحه . كان العصر نفسه يتألف من أحاسيس جديدة وكان هؤلاء الكتّاب يحدقون في الحياة من خلال ثقب صغير . يشير ” الثقب الصغير ” إلى أسلوب مؤلفي ( مدرسة الحسّية الجديدة ) ، في الكتابة كشيء جديد ، وحاد ، وجريء ؛ مع أوصاف واستعارات حيّة “[۱٦] .
بالإضافة إلى ذلك ، أشار تشيبا إلى أن شعبية مجموعة بول موراند القصصية ( مفتوح طول الليل ) بين القرّاء اليابانيين تعني ولادة ( المدرسة الحسّية الجديدة ) .
كان تشيبا أول من لاحظ أوجه التشابه بين أعمال موراند والمدرسة الحسية الجديدة ، نتيجة لذلك تم إدراج اسم بول موراند في تاريخ الأدب الياباني . تم التعبير عن هذه الملاحظات في انسكلوبيديا الأدب الياباني الحديث . نتيجة لذلك تم تأسيس علاقة قوية بين ( مدرسة الحسّية الجديدة ) وبول موراند ، وأصبحت متجذّرة ، كحقيقة في تاريخ الأدب الياباني .
   في مطلع القرن العشرين ، بدأ الغرب يشهد ولادة موجة من المدارس الفنية ، والأدبية
الجديدة بصورة متلاحقة ، مثل : الدادائية ، والتكعيبية ، والسريالية ، والتعبيرية ، والمستقبلية ، وما إلى ذلك . وأحدثت هذه المدارس تأثيرات عميقة في الفن والأدب ، سواء في أوربا ، أو أمريكا . وقد انتقلت إلى اليابان في العشرينات ، والثلاثينات من القرن الماضي . وكانت عاملاً جوهرياً في انسياق الكثير من الشباب الياباني نحو تحديث الفن والأدب اليابانيين ، والخروج بهما إلى عالم جديد ، بعيداً عن الأساليب والطرق التقليدية . جميع هذه المدارس جمالية ، وتنادي بمذهب ” الفن لأجل الفن ” . وهي تلغي الفصل بين الذات والموضوع ، الآخر يتماهى مع الذات . وتبدو هذه الفكرة أكثر جاذبية لأنها ترتبط بالمبدأ الأساسي للشنتوية والبوذية . من البوذية يحتفظ كواباتا بمبدأ اللانهائية الذي يؤكد ( تناسخ الأرواح ) ، وبالتالي ينكر فكرة الموت ذاتها ، أخيراً ينادي التحليل النفسي الحديث بمفهوم ( تيار الوعي ) ، الذي يحرّر الحدس ، ويرفض ترتيب الكلمات والأفكار ، ويوحّد سلسلة من الصور غير العقلانية ، والمتنوعة ، والمفكّكة ؛ وببساطة أكثر فإن تعاقب الصور يحترم الآن الذاتية ، والحدس ، بينما يفضّل الأحاسيس .
” إن كواباتا ، عندما كان طفلاً ، يتطلّع إلى أن يكون رسّاماً . وكان في شبابه شخصية متطرفة ، فقد تأثّر بشدّة بموجات الفن التكعيبي ، والسريالي ، والمستقبلي ، والتعبيري ، والدادائي ، التي دخلت إلى اليابان في العشرينات من القرن الماضي . وحاول أن يعكس تلك الطرق الجديدة لرؤية العالم في أدبه الطليعي ، والتجريبي . فشكّل جنباً إلى جنب مع المؤلف ريتشي يوكوميتسو وآخرين مجلة ( العصر الفني ) ، للترويج عن ( مدرسة الحسّية الجديدة ) في الأدب الياباني “[۱۷] .
وفقاً لحجة يوكو ميتسو : تشير كلمة ” جديد ” إلى أسلوب التعبير ، الذي يميل إلى الرمزية . يفضّل الأدب الياباني الجديد الإحساس الرمزي ، والتجسيم * ، وتقنيات تيار الوعي . ويستخدم أساليب جديدة ولغة رائعة للتعبير عن عالم المشاعر الذاتية ، وتصوير المشاعر الحسّاسة ، والحزينة للشخصية .
” أصدرت جماعة ( العصر الفني ) بياناً بعنوان ( الحياة الجديدة والأدب الجديد )  ، في العدد الأول من المجلة ، في تشرين الأول ۱٩۲٤م ، وكان اهتمام أعضاء المجلة منصبّاً على القصة والرواية ، بالدرجة الأساس .
 وقد كتب الباحث دونالد كين أن حركة ( المدرسة الحسّية الجديدة ) لم تكن قائمة على أيديولوجية قوية ، ومع ذلك ، إذا لم يشتركوا في أيديولوجية واحدة ، فمن الواضح أنه كان هناك شيء أقنع هؤلاء الكتّاب بترك مجلة ( الوقائع الأدبية ) التي دأبوا على النشر فيها ، وترك مديرها كيكوتشي ، وإطلاق المجلة الجديدة . في هذا البيان ، أعرب الكتّاب عن طلب حازم لأسلوب جديد للكتابة ، من أجل وصف واقع المجتمع الرأسمالي ، والحياة الحديثة بعد زلزال طوكيو العظيم “[۱٨] .         
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* : التجسيم : تجسيم الصورة ، تجسدها ، تصوّرها ، تمثلها .
التجسيم ( آداب ) : إبراز المعنى المجرّد في صورة حسية .
( فلسفة أو تصوّف ) : تعبير عن المجرّد بالمحسوس ، وعن الأفكار والمدركات العقلية بالصور المحسوسة .
أما بالنسبة لياسوناري كواباتا فقد صرّح قائلاً ، على النحو التالي :
” نتوقع أن مجلة ( العصر الفني ) ستدمّر المجتمع الأدبي الحالي ، الذي هو في حالة تدهور ، أعلن هنا أن هدفنا في هذه المجلة هو تدمير حياتنا ، وفنّنا . ما هي الحياة الجديدة ؟ ما هو الأدب الجديد ؟ سوف نجيب عن هذه الأسئلة في هذه المجلة ” .
” مهمتنا هي ابتكار الأدب والفن في العالم الأدبي ، ومن ثم ابتكار الفن والمفهوم الفني للحياة بشكل أساسي ، لآن الأدب القديم ، والفن القديم يفتقران إلى القدرة على إثارة المشاعر الحديثة ” . ” بدون تعبيرات جديدة ، لن يكون هناك أدب وفن جديد . بدون تعبيرات جديدة لن يكون هناك محتوى جديد . بدون مشاعر جديدة لن يكون هناك تعبيرات جديدة  ” .
   هذا هو خطاب كواباتا الذي كتبه في مجلة ( العصر الفني ) ، عند الإعلان عن مولد     ( المدرسة الحسّية الجديدة ) . ومنذ يوم ولادتها رفعت هذه المدرسة شعار ” مناهضة التقاليد ” ، في محاولة لخلق طرق جديدة ، من حيث الشكل والتقنية في الفن ، ويعتبر كواباتا بحق مستكشف لا يكل .
ذكر كواباتا ، أنهم لم يقرّروا ماهية هذه الأدبيات الجديدة في العدد الأول من مجلتهم .
لقد كان لديهم ، ببساطة ، الحماس لخلق أسلوبهم الأدبي الأصلي ، وكانت أفكارهم لا تزال غامضة . بالإضافة إلى ذلك قارن كون توكو التاريخ الأيديولوجي لليابان وأوربا ،
وبذكر أندريه جيد ، الروائي الفرنسي ( ۱٨٦٩ ـ ۱٩٥۱ ) أشار إلى أنها مأساة لليابانيين  والأوربيين أن الرأسمالية حرمتهم من فضيلتهم التقليدية الموثوقة ( بوذا ) أو ( الله ) ” [۱٩] .
   إن أحد العناصر الأساسية التي شجّعت هؤلاء الروائيين الشباب على إطلاق ( العصر الفني ) هو بالتأكيد فقدان المعتقدات التقليدية التي يمكن الاعتماد عليها . ولكن أحد أعضاء الحركة الحسية الجديدة ساساكي ميتسوزو ، أوضح أنه ليست هنالك أهمية كبيرة للأيديولوجية ، وذكر أن الموضوع والأسلوب هما أكثر أهمية للأدب .
   في سلسلة مقالات مثل ( شرح الاتجاه الجديد للكتّاب الجدد ) ۱٩۲٥م ، أوضح كواباتا أفكاره عن ( المدرسة الحسّية الجديدة ) ، واقتراحاته الأدبية ، وأكد :
” التعبير مضمون ، والفن أداء . ولكن إذا لم يكن هناك شعور جديد فلن يكون هناك أداء جيد . وبالتالي لن يكون هناك محتوى جديد ، وفن جديد . إنها تختلف عن الماضي في الأداء .
تعتمد هذه الطريقة الإبداعية على طريقة الكاتب في فهم العالم ، وطريقة تفكيره . يطرح كواباتا نظرية المعرفة ” التعبيرية ” ، والتفكير ” الدادائي ” ، هما الأساس النظري للتعبير عن الأحاسيس الجديدة .
” يمكن القول أن التعبيرية هي والدنا ، والدادائية هي أمنا ” .
باختصار ، يقصد من فهم العالم الموضوعي أن يكون ذاتياً ، ويكون التركيز على الشعور ، فيما يتعلّق بالأداء ، فإن استخدام ( تيار الوعي ) أو ( تدفق الوعي ) لكسر حواجز اللغة . هو الأسلوب الفني لكواباتا ، وكتّاب ( المدرسة الحسّية الجديدة ) . بسبب استخدام تدفق الوعي للطرق السردية ، فإن الأعمال بطبيعة الحال لها قدر كبير من العشوائية الذاتية ، وعدم المنطقية ، وقفزات لا يقيدها الزمان والمكان . ومع ذلك ، يصعب أحياناً وصف شعور الكاتب بسبب القيود اللغوية ، ويكون الأداء آنئذٍ ، في الغالب ، ” قائمة من الصور الذهنية ” . لذا فإن الأعمال حتماً ضبابية ، وغامضة ، ومراوغة .
هذه أيضاً سمة من سمات جمالية الوصف الحسّي .
ويمكن أن نبرز أهم صفات ( المدرسة الحسّية الجديدة ) بما يلي :
۱ـ النزعة المثالية الذاتية ( وحدة الذات والموضوع ) .
۲ ـ اختيار مواضيع المدن الحديثة ( سريعة الإيقاع ) ، حيث يحرص الكتّاب على الاستفادة من الحياة الواقعية للمدن الحضرية الحديثة ، والتي تعكس الحضارة المادية .
٣ ـ مهارات الكتابة في الرمزية ، والتجسيم ، وتدفق الوعي . والمبالغة ، والتعبيرات الحسّية الأخرى ، والتي تصوّر المشاعر الدقيقة ، والأنشطة الداخلية للشخصيات .
٤ ـ السمة الفنية الأخرى للمدرسة الحسّية ، أنها تقوم على المشاعر كنقطة انطلاق ، الاعتماد على الحدس لفهم أداء الأشياء ، واستخدام الخيال لتشكيل واقع جديد ، تم التعبير عنه بأساليب جديدة ، وكلمات رائعة ، وإيقاعات شعرية .
   من منظور جميع إبداعات كواباتا ، كان دائماً مهووساً بالأحاسيس الجديدة ، ليس هذا هو الحال فقط ، فإن أعمال كواباتا قبل الحركة الحسّية وبعدها تعتبر مميزة جداً للتعبير الحسّي . كانت فترة العشرينات ، بالنسبة لياسوناري كواباتا ، فترة بحث وتنقيب عن الأسلوب والتعبير الجديد . تمخضت هذه الفترة ، بالنسبة له ، عن رواية جميلة هي       ( راقصة إيزو ) ، على الرغم من أن البنية والتقنية ليست دقيقة ، وشاملة مثل الأعمال اللاحقة ، إلّا أنها مليئة بالجو الشعري ، والغنائي الشبابي ، وتكشف عن لمسة حزن في أسلوب كواباتا . ولا يظهر العمل تعاطفاً حماسياً مع الطبقات الدنيا ، بل اكتسب الثقة في الحياة منهم . وقد أنتج كواباتا أعمالاً أخرى ، أثارت الانتباه ، مثل القصة القصيرة       ( مشهد من مهرجان تجنيد الروح ) ، وقصة ( مشهد الربيع ) عام ۱٩۲۷م ، ثم روايته القصيرة ( آساكوسا ) . وتهدف هذه الأعمال ، في الغالب ، إلى وصف مشاعر جديدة ، والبحث عن تعبيرات جديدة أيضاً .
   بعد الثلاثينات من القرن العشرين ، سادت نفسية جديدة في عالم الأدب الياباني ، واستخدمت أيضاً المنولوجات الداخلية ، وتقنيات تدفق الوعي ، في وصف المشاعر الذاتية ، والانطباعات اللحظية ( الإبر والزجاج والضباب ) ۱٩٣۰م . لم يتسلق كواباتا أخيراً هرم الإبداع الفني حتى كتابة التحفة الأدبية ( بلد الثلوج ) ۱٩٣٥م .
   كان كواباتا وصديقه يوكوميتسو توأم ( مدرسة الحسّية الجديدة ) . في ذلك الوقت نشر يوكوميتسو عدداً من القصص القصيرة في مجلة ( العصر الفني ) ، مثل : ( الشمس ) ، و (  الذباب ) ، و ( الرأس والبطن ) ، و ( الربيع يأتي في عربة ) ، و ( شنغهاي ) ، و ( الماكينات ) ، وما إلى ذلك . ولكن ياسوناري نشر عدداً أقل من الأعمال الأدبية ، بمميزات الحسّية الجديدة .
دافعا عن كسر التقاليد الأدبية القديمة ، واعتماد تقنيات فنية جديدة ، ومشاعر جديدة لتعكس الأشياء في الإبداع الأدبي . وقد ركّزا ، ليس فقط على تراث الثقافة اليابانية ، ولكن أيضاً التعلّم من الأشكال الأدبية ، والفنية الغربية ، الحديثة . وقد وجد ياسوناري كواباتا له مكاناً ، على وجه الخصوص ، مكّنه ، بنجاح ، من إبداع روايته القصيرة الأولى ( راقصة إيزو ) ، والوصول إلى مستوى فني جديد .
وبسبب أسلوبه الجديد ، والفريد ، أطلق عليه ” مُبدع المدرسة الحسّية الجديدة ” .
علّق على ذلك أحدهم قائلاً : أسلوبه ، ومحتوى كتابته يمر دائماً عبر المشاعر اليابانية . وعلى الرغم من أنه كان عضواً أيضاً في ( مدرسة الحسّية الجديدة ) ، إلّا أنه استخدم بعض الحداثة في الأداء بسبب تعلمه الجماليات على النمط الغربي . ومع ذلك فإن هذه الأشياء لم تتغلغل في عظام أدبه . وبالمقارنة مع يوكوميتسو ، الذي يعمل دائماً بخيال شخصي للغاية ، فإن كواباتا منحاز نحو الأسلوب التقليدي .
كواباتا كاتب ، على الرغم من أنه أنتج أدباً جمالياً ، فإنه لا يزال متجذّراً في التجربة الحية للمجتمع الذي نشأ فيه .
لاحقاً كتب كواباتا مقال بعنوان ( المدرسة الحسّية الجديدة ) ، وروى فيه ما يلي : لم أقلد أو أتبع يوكوميتسو ؛ أنا لست كذلك ، لقد تجنّبت ذلك عمداً ..ولكن بسبب اختلافاتي الطبيعية ، ورغباتي ، لم أستطع فعل ذلك .في فترة ( العصر الفني ) أجبرت نفسي أن أصبح عضواً في ( المدرسة الحسّية الجديدة ) ، لكن لم يكن لدي موهبة ، ومزاج المدرسة . يقول كواباتا : ” إن الحداثة فقط ستضمن للكتّاب دخولهم إلى مملكة الفنون لعصر جديد ” . ويمضي في التعبير عن شكوكه في أن الكتّاب البروليتاريين تمكّنوا من إنتاج الأسلوب الأدبي الذي يطمحون إليه ، أي أسلوب قادر على اختراق الوعي البرجوازي الزائف ؛ من أجل إحداث تغيير ثوري في الحياة الاجتماعية والسياسية . هذا لأن الكتّاب البروليتاريين فشلوا في معالجة السؤال الأساسي للتعبير الأدبي ، خاصة فيما يتعلق بمفهوم الإحساس ، كما أشرت إلى قوله ” بدون تعبير جديد لا يوجد محتوى جديد وبدون إحساس جديد لا يوجد تعبير جديد ” . كان يرى إن الأدب متورط في حياة الإنسان من خلال التعبير أو اللغة , أي أن الغرض من الأدب هو إحداث تغيير في التعبير . لن يكون مفاجئاً أنه يعتقد بأن مجموعته الخاصة من الحسّيين الجدد ، هم من كشفوا الموضوعية الزائفة للروايات الطبيعية السابقة ؛ والذين اكتشفوا تفسيراً جديداً للواقع يجعلهم يستحقون حقّاً عنوان الكتّاب الناشئة حديثاً .
   من وجهة نظر كواباتا ، فإن مفتاح نهجه الأدبي ، الرائد ، هو على وجه التحديد زيادة الاهتمام بالإحساس . يؤكد كواباتا على أن الإحساس هو مفتاح قلب النظام القديم . اسمحوا لي أن أقتبس من المثال الذي قدّمه بنفسه ، من أجل توضيح كيف يعتقد أن الحداثيين اليابانيين قد مهّدوا أرضية جديدة من خلال إعادة تقييم العلاقة بين العالمين الذاتي والموضوعي :
على سبيل المثال ، السُكر حلو ، في الأدب حتى الآن ، التقط العقل هذه الخاصية الجميلة من اللسان ، وكتب العقل ” أنه حلو  . أما الآن فكلمة ( حلو ) مكتوبة باللسان . مرّة أخرى ، حتى الآن كتب الناس ” رأت عيناي وردة حمراء ” بافتراض أن العينين والوردة شيئان منفصلان ، لكن الروائيين الناشئين حديثاً يأخذون العيون والوردة لتكون شيئاً واحداً ، ويكتبون : ” عيناي وردة حمراء ” .
   أقرب ما توصّل إليه هو توضيح طبيعة العلاقة بين الذات والموضوع ، هو من خلال ما يسميه ” متعة جديدة ” تنشأ من خلال ” الثقة في القوة المطلقة للذات ” ، من خلال السماح لهذه الذاتية بالتدفق بحرية . يدّعي ” أن الذات والآخر تصبح واحدة ، كل الأشياء تصبح واحدة ، النتيجة هي عالم أحادي تفقد فيه كل الخليقة كل حدود ، وتنسجم في روح واحدة ” .
   كواباتا يرفض الفصل المصطنع بين أشياء الواقع ، إنه يرى كل الأشياء مترابطة عضوياً ، ويرفض أيضاً أي اعتراف بالفصل بينها : بين الحي والجماد ، الإنسان والحيوان ، الإنسان والنبات ؛ يرى العالم على أنه تدفق هائل لنهر واحد . وهكذا يستخدم أدوات مختلفة لتمكين قارئه من استيعاب وتقبّل هذه الحقيقة .
” كانت نظرته حسّاسة جداً للجمال ، كان نوع جمال كواباتا المفضل ، رقيقاً ، وهشّاً ، وقابلاً للتلف . عندما يتلف يتبعه الحزن .. باختصار ، أي شيء جميل حقّاً هو أمر محزن ، وأي شيء حزين حقّاً هو جميل “[۲۰] . كان متأثراً إلى حد كبير بالنظرة اليابانية التقليدية للجمال ، وكان متأثراً بفلسفة وابي سابي الجمالية ، التي نشأت ، سابقاً ، في اليابان ، وتُرَكّز على رؤية الجمال وسط كل شيء . وبالتالي هي فلسفة ترمي لتقبّل الأشياء كما هي ، وعلى طبيعتها ؛ بعيوبها ، وشوائبها ، وترهّلاتها ، وتآكلاتها ، وحتى بفنائها . فهذه الفلسفة اليابانية أحياناً تُعَرّف بأنها : ” إيجاد الجمال في عدم الكمال ” أو
” الاكتفاء بعدم الاكتمال “[۲۱] .
   يعتقد المؤرخ الأدبي ، الياباني هيديو أوداجيري ، أيضاً أنه من بين كتّاب الحسّية الجديدة ، فقط كواباتا أدرك ما يسمّى ” الجمال الكامل ” في سلسلة أعماله الفريدة .        على مدى الخمس والأربعين عاماً التالية ، نسي إبداعه في ( المدرسة الحسّية الجديدة )
لفترة طويلة . ربما كحركة أدبية ، فإن ( مدرسة الحسّية الجديدة ) سطحية وساذجة ، ولكنها موجودة في التاريخ على أي حال ، هكذا بات ينظر إليها . وإذا نظرنا بموضوعية إلى مساهماته في هذه المدرسة ، نجد أن له انجازات متميزة . كان يبحث عن شكل فريد من نوعه للتعبير . لذلك أثناء استخدام التقنيات الإبداعية ، الغربية ، الحداثية ، وجد وجهة نظره الخاصة في الاندماج مع التقاليد اليابانية .
   إذا كان التجديد ، الذي نادى به أصحاب الحركة الحسّية ، ينطوي على قطيعة مع الأعراف الثابتة للأدب التقليدي ، فهذا ليس هو الحال بالنسبة لكواباتا ، الذي لم يتخل َ تماماَ عن الجمالية القديمة ، ويظل مشبعاً بالتدين البوذي .
علّق ناقد ياباني على هذا قائلاً : ” فقط كواباتا أظهر جمالاً كاملاً في الممارسة العملية
بين مجموعة كتّاب ( المدرسة الحسّية الجديدة ) . لقد صنع النقطة الأولى في رواية
( راقصة إيزو ) ، والتي أظهرت لأول مرّة تفرّده . الأسلوب هذا هو نتيجة اندماجه الناجح مع التقاليد الأدبية اليابانية . وبهذه الطريقة وصل كواباتا إلى مستواه الممتاز .
                                                                                                   ◘ ◘ ◘
   تطوّرت ( المدرسة الحسّية الجديدة ) إلى ذروتها من عام ۱٩۲٥ حتى عام ۱٩۲٦ م ،
حيث شهدت هذه الفترة نشر يوكوميتسو قصة ( الشمس ) ، وقصة ( شنغهاي ) . وفي عام ۱٩۲٦م ، نُشرت رواية كواباتا ( راقصة إيزو ) . ورواية ( العروسة النحيفة للكاتب كانتوكا . و ( حلبة الرقص الباردة ) ناكوا يوتشي ؛ وأعمال كثيرة أخرى ، أنتجتها أقلام الحسّيين الجدد  في ذلك الوقت . ولكن بسبب ازدهار الأدب البروليتاري ، وسيطرته على الساحة الأدبية ، والثقافية ، اليابانية ؛ بدأ الأدب الحديث ، الذي تقوده جماعة الحسّية الجديدة ، بالتراجع والاضمحلال . حيث أخذ بعض الكتّاب الحسّيين بالتوجه نحو الصحافة ، والمجلات البروليتارية ، للمشاركة فيها . بينما انكفأ البعض الآخر على كتابة الروايات الخفيفة ، ذات الطابع الشعبي ، وبالتالي فقدوا شغفهم بالمشاركة في مجلة ( العصر الفني ) ، وراحوا ينسون أمر ( المدرسة الحسّية الجديدة ) . ولا غرو في ذلك ،  فأغلب المدارس الأدبية الحديثة تنبثق فجأة من خلف السحب الداكنة ، لتنير الفضاء الأدبي ببريقها ، وفتنتها ، ثم ما تلبث أن تبتلعها تلك السحب ثانية . وهكذا كان أمر هذه المدرسة الحداثية . ولكن غياب تلك المدارس لا يعني ، بأية حال ، زوال تأثيرها الفني والأدبي في الحركة الثقافية عبر الزمن . فنحن نشاهد ، ونسمع ، ونقرأ ، في زماننا هذا ، الكثير من الإبداعات ، التي تعود إلى هذه المدرسة أو تلك . إنها ، بمجموعها نتاج إبداعي تاريخي ، وتأثيرها يبقى متواصلاً مع مسيرة التاريخ . وهكذا يبقى ياسوناري كواباتا أبرز ممثل لحركة الإدراك والتعبير الحسّي ، الياباني ، بخصوصيته الفريدة ، وقد أبدع أروع الأعمال الأدبية التي كان لها تأثيراً كبيراً على الأدب الياباني والعالمي معاً .
   من السهولة بمكان أن نعثر على التأثيرات الحسّية في النصوص الأدبية ، عند بعض الكتّاب المعاصرين ، اليابانيين . سواء أكان ذلك في الشعر أم في النثر . وربما نجد صدى هذا التأثير ، في بعض النصوص الغربية أيضاً .
ومع أن التعبير الحسّي لا يقتصر أمره على الأدب في اليابان ، بل يتعداه إلى الأدب في الغرب أيضاً ، كما لاحظنا ذلك في أدب الفرنسي بول موراند ؛ إلّا أن الإحساس الياباني كان أكثر شفافية ، وعمقاً ، وجمالية . وقد عبّر عن ذلك الباحث الأدبي أوكا ـ ماكوتو في معرض حديثه عن الجمال بقوله :
” نستطيع القول ، وبسهولة ، إن الحواس التي تلعب ، وبشدة ، دوراً في خلق أو تذوّق وتقييم عمل فني ياباني ، ليست تماماً الحواس نفسها في الغرب .
والواقع إن اليابانيين آثروا دوماً حواس : اللمس ، التذوق ، الشم ، أكثر من حاستي النظر والسمع ، اللتين يمكن أن نستخلص منهما قيماً قابلة للقياس والتحليل ، أي آثروا الحواس التي ترتبط  بحركات الجسم الأكثر عمقاً ، وإذن ، الأكثر غموضاً ، والتي لا يمكن التقاطها وإدراكها .
لهذه الحواس الثلاث خاصية مشتركة : تستيقظ وتنشحذ ، بشكل خاص ، أثناء التمييز في الظلام . وهي بعكس النظر والسمع ، يصعب تحليلها ، وبالتالي يصعب أن نستخرج منها تصنيفاً دقيقاً . يبدو أن رهافتها تختلف وتتغير من فرد إلى آخر ، سيّما حاسة التذوق . باختصار ، تتميز هذه الحواس بطبيعتها الغامضة ، العميقة الغور ، والكبيرة الإشعاع  . يمكن لهذه الحواس ، إذا اعتني بها وهذّبت ، أن تكتسب نفاذاً خارقاً ، لكن الإحساسات التي تولدها غير قابلة تماماً للقياس من الخارج . ومع ذلك ، فإن لهذه الإحساسات حضوراً يقيناً ، وبمقدورها أن تهزنا بعمق ، وبشدة أكثر من السمع والنظر .
يمكن أن نلمس هذا في مجال الحب والعشق ، قبل أي مجال أخر “[۲۲].
                                                                                                  ◘ ◘ ◘
   في عام ۱٩۲٨م ، تراجع الأدب الحسّي في اليابان ، ولكن تم جلب بذوره إلى الصين . وبدأت موجة من الكتابات الحسّية تظهر لأول مرّة في الأدب الصيني . ومعها ظهرت ( المدرسة الحسّية الجديدة ) في الصين . يمكن القول أن هذه المدرسة نشأت بتأثير مباشر من ( المدرسة الحسّية الجديدة ) في اليابان . ولكن الأدب الحسّي الصيني ، مع أدباء من أمثال : شي تشيكون ، ليو ناو ، مو شيينغ ، كشخصيات أدبية ، حسّية بارزة ، كان تأثيرها قصير العمر ، بنفس القدر الذي كانت عليه في اليابان ؛ إلّا أنها لم تهز العالم الأدبي في الصين ، كما فعلت ذلك في اليابان . ومع ذلك ، بناءاً على معطيات الحراك الأدبي الصيني ، اليوم ، لا يزال بإمكاننا العثور على الأدب الصيني الحسّي الجديد في الصين الحديثة ، وله مكانة مهمة في تاريخ الأدب .
   الرائد الذي حمل بذور ( المدرسة الحسّية الجديدة ) كان ليو ناو ، الذي كان قد نشأ في اليابان . يرتبط مسار تطور الأدب الحسّي الياباني الجديد ، في الصين ارتباطاً وثيقاً بعمل ترجمة ليو ناو . في وقت مبكّر ، عندما كانت المدرسة الحسّية اليابانية نشطة لأول مرة في عالم الأدب ، أعجب ليو ناو بنشاطها ؛ وكان متفائلاً للغاية بشأن مثل هذه الثورة الأدبية العصرية ، والمتطورة .
   عندما عاد ليو ناو إلى الصين ، تزامن ذلك مع الوضع المضطرب فيها ، إثر انقلاب
” ۱۲ أبريل ” أو ما يسمى ” مذبحة شنغهاي ” المضادة للثورة الشيوعية ؛ وحصول حملة التطهير ، غطى ظل الإرهاب الأبيض الصين بأكملها . أصبح الارتباك ، والاضطراب المفاجئ عقلية معتادة للبرجوازية الصغيرة .
كافح مثقفون مثل : ليو ناو ، وشي تشيكون وغيرهم أيضاً لإيجاد جو جديد من الإبداع في الواقع المظلم . وفّر الأدب الحسّي الجديد ، الذي يقدّره ليو ناو إلهاماً لهؤلاء الكتّاب البرجوازيين الصغار .
   في عام ۱٩۲٨م ، نشر ليو ناو ، و شي تشيكون ، و داي دانغشو ، وآخرون ، منشوراً بمثابة إعلان لنشأة الحركة الحسّية الجديدة في الصين . بدأوا أعمال ترجمة ، وقدّموا النصوص الأدبية اليابانية والفرنسية الجيدة إلى القرّاء الصينيين .
   يتحدث شي تشيكون عن ليو ناو : تأثّرت وجهة نظره في الأدب والفن ، بالأدب الياباني الحديث ، وقد جلب معه روايات يابانية كُتِبَت بأسلوب جديد لكتّاب من أمثال :
يوكوميتسو ، وكواباتا ، وتانيزاكي . ومن خلال إلقاء نظرة متفحصة على أعماله ، ندرك أنه حريص على ترجمة وتقديم نظريات ، وإبداعات كتّاب ( المدرسة الحسّية الجديدة ) في اليابان ، وكذلك بول موراند .
   في عام ۱٩۲٩م ، افتتح ليو ناو وآخرون ” مكتبة شويمو ” وأسّسوا ” الأدب والفن الجديد ” . في الوقت نفسه نشر ليو ناو مجموعة من رواياته ، وروايات يوكوميتسو ؛ وقد عزّز ليو ناو ، وشي تشيكون ، وآخرون ، فهمهم ونهجهم لأدب الحركة الحسّية اليابانية .
   في عام ۱٩۲٩م ، استخدم ليو ناو ، أسلوب الحسّية الجديد ، وطرق تدفق الوعي ، لكتابة ثمان قصص ، تم جمعها ، ونشرها في كتاب واحد بعنوان ( مناظر المدينة ) . في نفس الوقت بدأ مو شيينغ المعروف باسم ” اليد المقدسة ” للمدرسة الحسّية الصينية ، في كتابة الروايات التي تحمل خصائص الاتجاه الحسّي الجديد .
وعلى الرغم من اضمحلال ( المدرسة الحسّية الصينية الجديدة ) ، إلّا أن دورها في الأدب لم يزل موجوداً في الأدب الراهن ، وقد اتسم بالصفة النفسية ، في العديد من الكتابات الحالية .
                                                                                                            ◘ ◘ ◘
   ابتداءً من ( يوميات ستة عشر عاماً ) ، كتب كواباتا أكثر من ۱۲۰ قصة قصيرة ، وما يقارب من ۱۰۰ قصة قصيرة جداً ” بحجم الكف ” ، وما بين ۲۰ ـ ٣۰ رواية ، بالإضافة إلى آلاف المقالات النثرية . وكلها أعمال ممتازة ، وبينها روائع . وبشكل عام أعماله إما قصيرة ، أو متوسطة الطول . ولا يميل كواباتا إلى كتابة الأعمال الطويلة التي عُرِفَ بها الأدب الكلاسيكي من قبل .
   جميع كتاباته لآليء نفيسة ، متماثلة الجمال والقيمة . ومن الصعوبة حقّاً تفضيل بعضها على البعض الآخر . وكان بودي أن أستعرض بعض أعماله ، ولكن ذلك قد يستغرق حيّزاً أوسع . ولذلك سوف أقتصر في هذا الصدد على رواية واحدة فقط ، هي بمثابة مرآة تعكس فن كواباتا بأسره ، ألا وهي رواية ( حزن وجمال ) .
يقول يوكيو ميشيما : ” من بين العديد من أعمال الروائيين ، ثمة أعمال يمكن من خلالها أن نقرأ بالتفصيل موضوعات ذلك الأديب ، وتقنياته ، ومميزاته الفنية ، ومنهجه النظري ، وكأننا نرى ساعة حائط زجاجية تشف عمّا بداخلها .وليس بالضرورة أن يكون ذلك العمل هو أشهر أعمال ذلك الأديب ، ولا أن يكون من أعماله التجريبية الطموحة . بل مجرد أن الكاتب يكتب هذه الرواية التي توضح منهجه النظري عن طريق الصدفة . ومن وجهة نظري الشخصية أن رواية ( حزن وجمال ) هي من هذا النوع من الروايات “[۲٣] .
ومن حسن الحظ أيضاً أن هذه الرواية قد تُرجمت إلى لغتنا العربية من قبل الدكتور سهيل إدريس ، وصدرت عن دار الآداب ، بعدة طبعات ، كان آخرها طبعة ۲۰۱٥م .
   ( حزن وجمال ) ، هي آخر عمل روائي نشره كواباتا ، خلال حياته ، قبل أن ينتحر عام۱٩۷۲م . وهو عمل معقّد ، وغني بشكل خاص ؛ يتم فيه الجمع بين الملاحظات النفسية المكثّفة ، مع اعتبارات لا تقل عن ذلك . وهي عميقة في معنى ومتانة الأدب والفن . بالإضافة إلى الاستحضار الجميل ، المدهش ، للحدائق والأديرة في اليابان القديمة . ( حزن وجمال ) ، قبل كل شيء ، تأمّل خفي في مواضيع عزيزة على نفس كواباتا ، مثل : الوحدة والموت ، والحب ، والإثارة الجنسية ..
” تتميز الرواية بالنقاء ، ووضوح نغمة الرثاء ، وجوّها البارد . من نواح كثيرة ، هذه ليست أفضل أعماله الحسّية ، ولكنها مثيرة للعقل إلى ما لا نهاية . وكما هو الحال مع كل شيء كتبه ، فهي تتميّز بأصالتها بلا منازع ، وتمتاز بقوة كلماتها . كان إنتاجاً صغيراً ،
۲٨٨ صفحة ، ولكن هذا القليل إنما هو ثمين للغاية “[۲٤] .
تفتح الرواية بعزم أوكي توشيو ، الكاتب المعروف ، بالسفر إلى مدينة كيوتو ، لغرض الاستمتاع بأجوائها ، وطبيعتها الساحرة ؛ وكذلك التمتع بقرع أجراس الأديرة ، وهي تعلن عن انصرام عام مضى ، واستقبال عام جديد ” كان صليل الأجراس دائماً ما يجد في قلبه صدى “. وفي رحلته هذه كان أوكي يأمل ، كذلك ، الالتقاء مع عشيقته السابقة أوتوكو ، التي ارتبط معها قبل أربع وعشرين عاماً بعلاقة عاطفية مدمّرة . والتي أضحت رسّامة ، الآن ، وتعيش في كيوتو ، برفقة تلميذتها الساحرة كيكو ، حيث تربطهما علاقة حميمة جداً . ويعد كواباتا أول من تناول العلاقة المثلية في أدبه الياباني ، في ذلك الوقت .
   تعود ذاكرة أوكي إلى الوراء ، ليستذكر حبه لأوتوكو ، حينما كانت في السادسة عشر من عمرها ؛ وكان هو متزوجاً ، ورب عائلة ، ولديه طفل .
يقول كواباتا : ” إن النساء مخلوقات تثير الشفقة . إن شاباً لن يعشق إطلاقاً امرأة في
الستين ، في حين أن فتاة مراهقة يمكن أن تقع ، بجدّية ، في حب رجل في الخمسين أو في الستين ، من غير أن تتصرف بالضرورة بدافع من مصلحة  “[۲٥] .                            
وعقب سنة من هذه العلاقة ، تلد أوكوتو طفلاً ، في عيادة طبيب قذرة ، ويموت الطفل . ويرفض أوكي فكرة الزواج منها ، ويهجرها . ذلك ما تسبب لها بانهيار عصبي ، فتحاول الانتحار . وتدخل في نهاية المطاف مستشفى للأمراض النفسية .
في تلك الفترة يكتب أوكي روايته العاطفية المشهورة ( فتاة في السادسة عشر ) ، وكانت بوحي من علاقته مع أوتوكو . وتلقى الرواية نجاحاً باهراً . حيث تروي قصة حبه الكبير لهذه الفتاة . وتصنع منه الرواية كاتباً معروفاً . كما تحقّق له استقراراً مالياً ، وعائلياً .
وعلى الرغم من الغيرة ، والألم ، اللذين سببتهما هذه الرواية لزوجته فوميكو ، التي قرأت ما بين سطورها جيداً ، لكن هذه الأخيرة بقيت وفية ، وابتهجت بنجاح زوجها .
أما أوتوكو ، فبعد خروجها من المستشفى تنتقل للعيش في مدينة كيوتو ، وفق رغبة والدتها . وتغمر نفسها في هواية فن الرسم ، وتنجح في إبداع لوحات فنية ، تجسّد سحر الطبيعة اليابانية . وبعد وفاة والدتها تتبنى الشابة الصغيرة كايكو ، وهي فتاة ذات جمال رائع ، وطبيعة ملتهبة . فتعلمها الرسم ، وتعيش معها ، وتنشأ بينهما تلك العلاقة الحميمية .
تصمّم كايكو على استغلال جمالها ، وسحرها ، لتحقيق الانتقام بشكل فريد ، إذ أنها عزمت أن يكون انتقاماً محكماً وساحقاً . تزور أوكي ، وتتمكّن من إيقاعه في حبائلها . وما تلبث أن تغوي ابنه تاشيرو ، ليقع في حبها سريعاً . ويشرع تاشيرو في زيارتها ، في مدينة كيوتو ، عدة مرّات ؛ وهي في هذا تخبر والدته برغبتها في الزواج منه . غير أن والدته تشرع في تحذيره من هذه الفتاة العابثة ، ذات الطوية الشيطانية ؛ ومع ذلك كان تاشيرو مولعاً بها ، ولم يكن يصغي لنصائح أمه .
في إحدى نزهاتهما في بحيرة ( بيوا ) ، تستأجر كايكو قارباً ذاتي الحركة ، حيث يقع لهما حادثاً مباغتاً  ، ويصطدم القارب ، ويغرق ؛  فتنجو هي ، بينما يختفي أثر تاشيرو ، وتضيع جثته في أعماق البحيرة .
   في هذه الرواية استخدم ياسوناري كواباتا جمال كايكو لأجل الانتقام ، وبهذا يكون الجمال مصدراً للقوة . إن كواباتا يضيف طبقات إضافية من العمق النفسي والصدى على أبطاله . فعلاقة أوتوكو مع الصبية الفاتنة كايكو ما هي ، في الحقيقة ، إلّا تعبير عن شكل آخر من أشكال الافتتان بنفسها . حيث يقول الراوي : ” ألم ترغب أوتوكو في خلق صورة نقية ، وجميلة عن نفسها ؟ ” . من الواضح أن الفتاة ذات الستة عشر عاماً ، التي أحبت أوكي كانت موجودة دائماً بداخلها ، ولن تكبر أبداً . ومع ذلك لم تكن على علم بذلك ” [۲٦] .
إن المراوغة والتعقيد الذي تتصف به الرواية يمنح ( حزن وجمال ) عمقاً نفسياً ، وغموضاً جميلاً .
علاقة الحب المركزية في حبكة ، وموضوع هذه الرواية بين شخصيتي أوكي وأوتوكو .
على الرغم من انتهاء علاقتهما ، إلّا أن الحب المشترك بين هاتين الشخصيتين لم يذبل أبداً ، ويبقى في قلبي هذين العاشقين ؛ممّا يتسبّب في استمرار المرارة والحزن .
يعيش كل من أوكي وأوتوكو حياتهما نادمين على ما حدث في الماضي . ولن تصيبهما المرارة وحدهما وحسب ، بل أصابت كل من حولهما .
رفضت أوتوكو كل الخاطبين لها ، وحرمت نفسها من الزواج ، بسبب إحباطها المرير من تجربة عشقها السابقة مع أوكي . أما هو فقد بقي يتوق إلى الحب العاطفي معها ، والذي لا يشعر به مع زوجته فوميكو . إن الحب الرومانسي غالباً ما يكون غير موجود في الزواج الياباني ، ” فالموقف الياباني تجاه الحب والزواج يختلف عن الموقف الغربي ، تشرح جانيت سميث في فصلها ” التعبير الرومانسي في قصة الحب اليابانية ” إن الرجال والنساء اليابانيين لا يحملون الحب الرومانسي ، بفعل الاعتبارات العملية ، والتكامل داخل الوحدات الأسرية ، ليكونوا في صميم الرابطة بينهم … وعلى عكس الولايات المتحدة ، مثلاً ، حيث الزواج يعقد بسبب الحب غالباً ، نرى اليابانيين يتزوجون من أجل أشياء مثل الاستقرار الاقتصادي ، والوضع الاجتماعي ، والعلاقات الأسرية ؛ يبدو الأمر كما لو كان زواجاً قسرياً أو مزيّفاً . ومن الواضح أن أوكي متزوج من فوميكو للأسباب الموضحة أعلاه “[۲۷] .
       بالإضافة إلى حبكة الرواية القوية ، هناك لمسات فلسفية ، يمكن أن يدركها القارئ ويفهمها . ( حزن وجمال ) مليئة بالنثر الرائع ، واللمسات الخفيفة لهذا النثر هي التي تعلق بنا ، وتحملنا على طول الرواية مثلما يحمل التيار الجارف أوراق الشجر . وتدفعنا في دوامات من العجائب الوصفية ، ويغرقنا بشاعريته العذبة . نذوب في لغته الصافية ، وترتج أحاسيسنا لتلك اللقطات الساحرة ، التي يرسمها بإتقان أستاذ قدير  
                                                                                                            ◘ ◘ ◘
المراجع :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[۱] : ( من أنت سيد لوكليزيو ؟ ) ، جان لويس إيزين ، ترجمة محمود عبد الغني ، دار أزمنة للنشر والتوزيع ، عمان ـ الأردن ، ۲۰۰٩م ، ص٨٦ .
 [۲] : The noble prize.com Award ceremony speech .                          
[٣] : المصدر السابق نفسه .
[٤] : ( ياسوناري كواباتا ) ، بقلم يوكيو ميشيما ، ترجمة ميسرة عفيفي ، مدونة ميسرة عفيفي الإلكترونية .
[٥]David Barnhill ,  selected secondary sources on Kawabata’s             snow country . Stanford , California , Stanford university press , 1976 , p1 .                                  
[٦] : ( ياسوناري كواباتا ) ، بقلم يوكيو ميشيما ، ترجمة ميسرة عفيفي ، مدونة ميسرة
  عفيفي الإلكترونية .                                                                                  [۷]   : David Barnhill ,  selected secondary sources on Kawabata’s             snow country . Stanford , California , Stanford university press,1976 , p4 .                                           
[٨] : Peter M. Carriere , Writing as tea ceremony : Kawabata geido aesthetics . Georgia college and state university .
[٩] : Gary Jams , The early works of Kawabata Yasunary .The university of British Columbia , 1982 . p4 .
[۱۰ ] : Yuliya Marko , The image of koyoto in a novel by Yasonary Kawabata “ the old capital “ , www.academia.edu .
[۱۱] : Kawabata’s unrequited lovers , Washburn university , washburn.edu .
[۱۲] : shinkankakuha , Wikipedia , the free Encyclopedia .
[۱٣] : Azusa Omura PHD candidate ,The birth of shinkankakuha ,Bungejidai and Paul Morand , Tokyo institute of technology .
[۱٣] : المصدر السابق نفسه .
[۱٤] : Morand Paul ( 1888 – 1976 ) , Paul Morand introduction . e . notes.com .
[۱٥] : Encyclopedia Britannica , Paul Morand , French author and diplomat .
[۱٦] : Azusa Omura PHD candidate ,The birth of shinkankakuha ,Bungejidai and Paul Morand , Tokyo institute of technology .
[۱۷] : Damian Flanagan , Yasunary Kawabata’s surrealist on the world , Japan times .
[۱٨] : Azusa Omura PHD candidate ,The birth of shinkankakuha ,Bungejidai and Paul Morand , Tokyo institute of technology.
[۱٩] : المصدر السابق نفسه .
[۲۰] : David Barnhill ,  selected secondary sources on Kawabata’s        snow country . Stanford , California , Stanford university press
1976 , p 2 .
[۲۱] : Wabi – Sabi , Wikipedia , the free encyclopedia .
[۲۲] : محاضرات في التقاليد الشعرية اليابانية ، أوكا ـ ماكوتو ، ترجمة د . محمـد عضيمة ، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر ، دمشق ـ سوريا ،۲۰۱٦م ، ص ۱۰٩ ـ۱۱۰ .
[۲٣] : ( ياسوناري كاواباتا ، بقلم يوكيو ميشيما ) ، ترجمة ميسرة عفيفي ، مدونة ميسرة عفيفي الإلكترونية .
[۲٤] : A . G . Mojtabai , The New York Times . com , Beauty and Sadness , March.2.1975 .
[۲٥] : ( حزن وجمال ) ، ياسوناري كواباتا ، ترجمة د. سهيل إدريس ، دار الآداب ، بيروت ـ لبنان ، ۲۰۱٥م ، ص۱۲٨ .
[۲٦] : Jessica Schineider , Beauty and sadness proves that with
beauty comes power , POP Matters.com , 22.jun.2010 .            
[۲۷] : Homer Reeves , Portrayal of love as a sickness in Kawabata’s novel Beauty and Sadness , Free College Papers , March.2.2019 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *