كنْ حذراً عندما تكتب عبر الإنترنت .
محمود يعقوب .
المنشور الإلكتروني هو مرآتك شديدة الانجلاء ، فما تكتبه يدلّ على شخصيتك بالنسبة لمن يقرأه . هناك اقتباس ممتاز ، يطفو على السطح ، مفاده أن لا يجب أبداً كتابة أي شيء على صفحات الإنترنت إلّا بعد كتابته على الورق . والمغزى ، كما أعتقد في غاية الوضوح .
كثيراً ما تصبح ” كتابة شيء ما ” على المواقع الإلكترونية أداة قوية يمكن تفسيرها بجميع أنواع الطرق التي قد لا تقصدها في ذلك الوقت ، وبعض تلك التفسيرات ربما تكون سيئة . وهذا الأمر يحتّم عليك أن تحافظ على نبرة احترافية ومعقولة في جميع الأوقات التي تستغلها في العمل على شبكة الإنترنت . الدرس الأكثر أهمية من غيره ، والذي يجب أن تعلمه هو أنه لا ينبغي أن يكون ” الفوز ” هو هدفك الأساس في مجمل كتاباتك ، وردودك ، أو نقاشك ، أو تعليقاتك ؛ هدفك الثقافي الأسمى هو كيفية النظر إليك ، الكلمات التي تكتبها مهمة ، وتفصح عن أي نوع من الناس يمكن أن تكون . كلماتك يجب أن تعكس ثقافتك ، ونبلك ، وتعاليك عن صغائر الأمور وحقيرها .
إن هذا الأمر يشغل تفكيري بجد ، أكثر من أي شيء آخر ، عندما أشرع بالكتابة .
حين تنهي كتابتك ، أعد قراءتها على مهل ، وتأكّد من أنك لم تكتب كلمة ” أكره ” ، هذه الكلمة القاسية شديد الخطورة ، التي بإمكانها أن تقضي على مشروعك الكتابي قضاءً مبرماً ، لأنها بمثابة أصبع ديناميت قابل لتفجير جوهر الثقافة ، وتجعل من ما تكتبه مجرد خطاب سوقي . لا ثقافة مع الكراهية ، ولا مشاعر إنسانية معها .. الكراهية خطاب الجاهلين والتافهين أيضاً ، وهي سلاح الجبناء . اكتبْ بصيغة مهذّبة ، النغمة المهذّبة مهمة جداً للتواصل السليم ، لا سيّما في حالات التوتر والإحباط .
لا تبعث أشياءً فظّة أو عديمة الإحساس إلى أشخاص أو صفحات تواصل ، وإيّاك أن تقحم نفسك في نزاعات نصّية عبر الإنترنت ، لأن هذه النزاعات يتلاطم فيها الغث والسمين ، وسوف تضيع شخصيتك بينهما بالتأكيد .
تجنّب بكل حزم الكتابات الغاضبة ، المنشور الغاضب سوف يكون الوقود لقضية الطرف الآخر ، والاستغراق في الغضب سيعجل في نزع سلاحك ووضعه في أيادي ذلك الطرف . إن العبارات الوقحة والتعليقات الساخرة ينبغي أن لا تثيرك على صفحات الإنترنت ، لا تحاول أن تردّ عليها مباشرة
إذا واجهت خطاباً عدوانياً غاضباً ، فلا تردّ بنفس النبرة ؛ احتفظ بذلك الخطاب ، ثم حاول لاحقاً أن تكتب في هدوء وعقلانية ، وأن تفترض أن ما حدث لا يعدو أن يكون سوء فهم ، وهنا تكمن روح ذلك ” الفوز ” الحقيقي .
إنها إستراتيجية تعود عليك بالنفع الأكيد .
أنت تريد تدوين الأشياء الجيدة ، أليس كذلك ؟ إذن ابتعد عن كل ما يسيء إليك وإلى الناس الآخرين ، واعلم أن ثمة حقيقة ناصعة لا يمكن نكرانها وهي أن : ” تكشف رؤية الآخرين على نحو إيجابي عن صفاتنا الإيجابية .
وتكشف رؤية الآخرين على نحو سلبي عن صفاتنا السلبية ” .
وأعود ثانية إلى ذلك الاقتباس الذي ينصح بالكتابة على الورق أولاً ، بسبب وفرة الأخطاء التي تطالعنا في الكتابات المنشورة على شبكة الإنترنت ، وهشاشة اللغة ودونيتها الجلية . في حال قيامك بنشر أي خطاب ، ستبدو الأخطاء الإملائية ، والنحوية ، واللغوية ، مثل الوشوم المطبوعة على واجهات الجسد ، لا تنمحي بمجرد تخزين المقالة ، وفي هذه الحالة سوف ينظر القرّاء إلى كاتب المقالة أنه يفتقر إلى الأسس الفنية الواجبة لرصانة الكتابة وسلامتها . وهذا يتطلّب من الكاتب إعادة قراءة ما كتب ، والتأكّد من جودة منشوره ، وخلوه من الأخطاء ، قبل طباعته .