هاروكي موراكامي وأسماء شخصياته
محمود يعقوب
جانب آخر يتكرّر في روايات موراكامي ، ويثير الاهتمام أيضاً ، وهو الأهمية المنسوبة لأسماء الناس ، للتعبير عن الاعتقاد بأن الأسماء ، كما ورد في قول لدانتي : تكشف عن جوهر أو بعض صفات الشيء أو الشخص المسمّى . يصف موراكامي الشخصيات التي في مرحلة معينة من التاريخ غيّرت اسمها لتكريس ظهور تغيير داخلي . نحن جميعاً نغير أنفسنا بشكل مستمر ؛ أحياناً بطرق محسوسة ، وأحياناً بطرق غير واضحة . وهذا ينعكس على علاقات الفرد نفسه ، خاصة بين الزوجين في حالة الانفصال . أو بين الحبيبين المفترقين عن بعضهما ، ولم يعودا يعرفان بعضهما البعض ـ الآخر لا يستدير عندما تناديه بالاسم الذي اعتدت على مناداته به آنفاً ، ولم نعد نعلم كيف نعرّف أنفسنا باسمنا المبتور بغياب الشريك ، يصبح من الضروري ملاحظة حقيقة أن هذا الاسم الآن مرتبط بأهداف واحتياجات ورغبات جديدة ، لا تتوافق مع العلاقة التي لدينا . يجب على الذين تم التخلي عنهم ، بمرور الوقت ، إعطاء أنفسهم اسماً آخر يحدّد كلاً من نتيجة الكسر الذي حدث ، وإعادة تكوين هويتهم في شكل جديد .
تفتقد الشخصيات الرئيسية في العديد من روايات موراكامي شيئاً ما ، يكوّن فراغ الشخصية الرئيسية ، سواء كان عاطفياً أو جسدياً أو عقلياً ، حاضراً في كل شيء نخبره طوال مسار الرواية . ويتمثّل هذا ، بعض الأحيان ، افتقار الشخصية للاسم الخاص .
يعكس افتقار الشخصية الرئيسية إلى الاسم وموقفها تجاه الأسماء موقفه تجاه الروابط العاطفية التي يرمز إليها . من خلال فحص الفراغ والسخط لدى الشخصيات الفردية ، كما فعل في رواية ( مطاردة الخراف البرية ) ، والعديد من الروايات الأخرى .
” إن عدم وجود اسم ، أسلوب يتبعه موراكامي ، وهو غير موجود في الأدب الياباني .
والأسماء تخدم غرضين رئيسين ، للتمييز بين الأفراد ووصفهم . إنها مهمة أثناء عملية التعرّف على الآراء وتكوينها حول الأشخاص ، والتي بدورها هي مفتاح تكوين العلاقات الشخصية . باختصار الأسماء تعادل الارتباط العاطفي .
لذلك ، فإن الدليل الأكثر وضوحاً على أن حياة البطل فارغة وتفتقر إلى الهدف ، هو أنه يظل مجهولاً طوال الرواية بأكملها . ولأنها رواية بضمير المتكلم ـ على الأرجح ـ فإن القاريء يختبر بشكل مباشر ما يشبه رؤية العالم من مكان غير محدود بعيون غير مركّزة . على الرغم من أن القاريء يعرف الحالة الاجتماعية للبطل ، ووظيفته ، وعاداته الشخصية ، إلّا أن مشاعره ووجهات نظره غالباً ما لا يتم التعبير عنها . يبدو أن الاسم مرتبط بهذه الأشياء ، إن عدم ذكر اسمه من أعراض مشاكل أكثر عمقاً : الوحدة وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين “(35) .
ربما يعطى حذف الأسماء في هذه القصص وحدة يكون من الصعب تحقيقها باستخدام الأسماء. كما أنها مهدت الطريق لاستكشاف رائع “للذات” وكل ما يشكل الذات. بينما يرى البعض بأن غض الطرف عن الأسماء ربما يكون منبعه دفع القاريء لصبّ تركيزه على أحداث القصة . ومّما لا شك فيه أن الافتقار إلى الاسم يخلق شعوراً غامضاً ، وغير مريحاً لدى القاريء . وطالما أن المشكلة الجوهرية هو البحث عن الهوية فهنا يرتبط فقدان الاسم بفقدان الهوية أيضاً .
وهناك رأي آخر حول هذا الطريقة في الكتابة حيث أن : ” كل من شوزيك وهانتكي يقدمان تفسيرات لشخصيات موراكامي التي بلا اسم . اتهام موراكامي بأنه “يوظِّف هذه الشخصية الرئيسة عبر عمله ، بأن يجعله غالبا بلا اسم ليتيح للقارئ أن يستمر في إسقاطه من رواية إلى التي تليها” (هانتكي) تبدو كفكرة شائعة ، لكنها محدودة. يحتج شوزيك بأن اللّعب على الأسماء يخدم على تثبيت عمل موراكامي في حالة غير موجودة من الغربة. لهذا السبب، تصبح شخصياته غريبة لكل من القارئ الياباني والأمريكي: “مرة أخرى تكون الشخصيات بمدى الغرابة أو التفاهة التي يكسوها بها القراء” بينما قد تكون هذه الآراء صحيحة، ربما آراء شوزيك أكثر من هانتكي، مفهوم التسمية والتصنيف هو إجراء شكليّ يحاول موراكامي بكونه كاتباً ما بعد حداثي تحاشيه في سبيل كشف خلوّه من المعنى. نجد هذا الأسلوب في أعمال أخرى، مثل رواية The Crying of Lot 49 لتوماس بينشون، حيث كان اسم البطل أوديب ، بشكل جليّ، الاسم هو إحالة إلى مسرحية الملك أوديب لسوفوكليس، بالرّغم من ذلك، شخصية أوديب عند بينشون لا تسلّم أبدا لهذه الرمزية. عوضا عن ذلك، يخدم الاسم في إبراز انتفاء المعنى في أسلوب الإحالة والترميز. هذه المحاولة للعب على مفهوم التسمية هي هدف موراكامي، ونتيجة لذلك، أدت إلى تأويلات مثل التي قدمها شوزيك وهانتك “(36) .
* صفحتان من كتاب ( هاروكي موراكامي في عوالمه الموازية ) المُعد للطبع حالياً .