أيّ حياة حياتك يا ( ديلان بارتي ) !

أيّ حياة حياتك يا ( ديلان بارتي ) !

قصة قصيرة

محمود يعقوب

ــ إنكَ ترى بأنني لم أقل ذلك ..                                                                                                                                   لم أقل أنكَ ( Queer ) ، ولم أقل أنكَ ) Gay ) أيضاً ، بل لم أزل ، حتّى هذه اللحظة ، أحترم النظرة الأنثوية العنيدة المطبوعة فوق عينيك البنيتين الخافتتين ، وأنت تسمّي كلّ هذا الهراء الأمريكي بأسماء مزيّنة بالبرق والرعد السماوي ؛ ومهما بالغت وأفرطت ، فسوف تظلّ رجلاَ متنكّراً بزيّ امرأة جامحة النهدين ! .

   بين ظلال المساء ، تدلف خفيفاً إلى أسواق ( الوول مارت ) ، بخطى مندفعة ، وملامح متوتّرة ، ومظهر غريب ، تصرّ فيه على ارتداء سروال نسائي داخلي ، وقميص من الشيفون البنّي الرقيق يكشف كل نحر صدرك الأبيض ، ومسفراً عن ساقين عاريتين طويلتين ، ناعمتين كساقي الأنثى . وفوق شفتيك ترسم الطلاء الأسود ، وفق الموضة المولّع بها . تمضي في الأسواق من دون اكتراث ، تتفادى النظرات الفضولية الواخزة من حولك بشيء من الاستياء . تقصد مباشرة جناح المنظفات المنزلية ، ثم تدرج إلى جناح القرطاسية ولوازم الرسم ، قبل أن تذهب إلى جناح الزينة الأنثوية ، لتحصل على أظافر جديدة ؛ كم أنت مغرم بتلك الأظافر الطويلة ! وبين وقت وآخر تسعى لامتلاك المزيد من الفراشات المحنّطة النادرة ، الوحشية الألوان .

   في طوافك هذا ، كنت تراقب الشبّان ، من طرف خفي ، تتحرّك عيناك ، وتدوران بحثاً عن من يروق لك منهم ؛ في الأسواق يمكن للمرء ملاقاة الكثير منهم ، وأنت بأمسّ الحاجة إلى أحدهم . وعندما تغادرها ، تذوب في الظلام خفيفاً ، مثل ظل مرتبك ضائع ، كما يضيع عصفور ، منتوف الريش في قلب شجرة فيحاء .

   دأبت تخرج وتعود بوجه مغتمّ ، متلاطم الملامح ، متوخياً الحذر والاحتراس .غالباً ما تكون متيقّظاً ، مخافة سهام الآخرين . هجرت ذويك ، لأنهم لم يستسيغوا أسلوب حياتك وطقوسك ، وسئموا تحوّلك الذي يجعل منك أشبه بعروس تتحرّق شوقاً لملاقاة عريسها الغائب ، وآليت أن تقطن بعيداً عنهم ، متستّراً بالعزلة ؛ وها هي أمارات الوحدة تلوح على صفحة وجهك دائماً . فلا غرو أن تبني عزلتك على التكتّم والصمت . إن المعاناة الصامتة مؤلمة يا ديلان .

   من الغريب حقّاً ، إنك تحظى بسمعة طيبة بين جيرانك :

« ولد لطيف ورقيق .. رقيق إلى الحدّ الذي انصهر فيه كيانه وصارأنثى ! » .                                                              هكذا كانوا يقولون عنك . وكنت أنت تمرّ من أمام عيونهم المبهورة مثل ساحرة ظريفة المظهر والسلوك .  الكثير من الناس الذين تلتقي معهم يقعون في حيرة من أمرهم ، أيخاطبونك بالتذكير أم التأنيث ؟ ولكنهم ما أن يتشمّموا عطر الخزامى  وهو يضوع من نحر نهديك ، يمضون في مداعبتك كأنثى سهلة المنال .

   ولأجل تأطير صورتك الغريبة بالدهشة ، شرعت بزيارة أستوديو ( Leviticus ) الشهير ، قبل بضع سنوات . وفي نهار كل يوم سبت ، كنت تتمدّد فوق أريكة من أرائك الأستوديو لغرض غمر جسدك بفيض من الوشوم ، حتّى نجحت بتغطية ظهرك بحزمة من أشجار النخيل ، والنسور ، والسهام الطائشة . وعلى طول فخذك الأيمن وشمت نبات الفطر الكبير ، رمز الغموض والنمو ، وكل ما يحمله من دلالات عميقة أخرى في التحوّل والتغيير ؛ وهنا بيت القصيد ! . إن جميع أقرانك من المتحوّلين جنسياً ، يتدرّعون بغلالة كثيفة من هذه النقوش ، وفي الليالي التي يحتدم فيها الشراب والرقص ، تجد أنهم لا يسترون أجسادهم بشيء عدا تلك الخطوط الخضر والزرق المتشابكة بجنون . وتحاول التمسّك بقوّة صورتك عبر الانغماس مع هؤلاء في جميع أنشطتهم وأماكن تجمّعهم ، وبينهم يمكن أن يضيء وجهك بابتسامة حمراء تحجب أضواء القلق التي ما انفكّت تلمع في عينيك .

   الكثير من المتاعب والضيق لاحقت خطاك ، كم من الشبّان السود ، والبيض لم يتورّعوا عن التحرّش بك ، وأنت تتحاشاهم كالبنت الوجلة ، ولكنك سرعان ما تغرق في الحرج . كنت تذهب وتعود نحيلاً ووحيداً سارحاً في أحلام اليقظة . تتحرّك في احتراس وخشية ، وأنت تهاب قسوة العالم من حولك ، وتتهرّب من الفضول المرضي . إن السهوم ، وهذا التجهّم المطبوعان في سحنة  وجهك معاً لا يوحيان بأن السلام والطمأنينة تغمر قلبك ، في حين أن الصمت الدائب يترك أثراً غائراً في مقلتي عينيك .

   كإنسان ، من السهولة بمكان أن تتبيّن نظرات الازدراء التي  تجهر بها عيون البعض . لم تكن تلك الأنظار تدعك وشأنك في أي وقت ، وهي تخترق بقسوة كل ما هو أنثوي فوق جسدك ، تحاول أن تمزّقك ، وتسلخك ، إلّا أن كل ذلك يدفع بك إلى التمسّك الحميمي بأنوثتك . أنت في الثالثة والعشرين من عمرك ، متحمّساً إلى تلك الكيفية التي رغبت بها ، وتستمدّ من نبات الفطر المرسوم على جسدك الأمل الكبير بأن تكون ملاكاً سعيداً ، تعيش منسجماً ومتناسقاً مع العالم الذي يحيط بك .

   العديد من النسوة الكبيرات في العمر ، يرمقنك بعيون الحنو والعطف ، وهن يتمنين على الجميع أن يشملونك بالرفق ، كما لو كنت حيواناً ضعيفاً غير مؤذٍ ، يتحتّم حمايتك من أذى الحيوانات المفترسة الأخرى .

   على أمل أن يبتسم لك الحظ ، كنت تتجوّل هنا وهناك ، وقد عاشرت بعض الشبّان والرجال من البيض والسود ، قبل أن تصادف ( ظافر ) ذلك الشاب العربي الأسمر الذي غرقت في لجّة غرامه . مع ( ظافر ) ابتسم لك الحظ بإشراق حقيقي .

   سرعان ما اكتشفت مقدار شفّافية ووضوح ( ظافر ) حين ذهبت لإصلاح مصابيح عجلتك . أدخلك ( ظافر ) إلى ورشته ، وهنالك فتح عينيك على فصل جديد ، مبهر ، من فصول حياتك . كان أريحياً وسمحاً معك ، حتّى غادرته منتشياً ، والبشر يرفرف على محيّاك .

   بلا ريب ، إن ( ظافر ) ملاك أسمر ، يزخر بالفتوّة . وقع في غرامك حالما وضع أصابعه على المصباح الخلفي لعجلتك . وعشقته أنت لأنه خير من رسّخ في أعمق أعماقك إنك أنثى بحق ، وما أعذب معاشرته . بات صديقك الذي لا يفتأ يكرمك ويحنو عليك . في الأيام التالية رحتما تتواعدان على اللقاء ، كل ليلة سبت ، للشرب والسهر في بار  ( Gay 90s ) في وسط مينيابولس الصاخب ، حيث يتقاطر المثليون ، من كل حدب وصوب ، في حلاوة ، وشعشعة تخطف الأبصار .

   حين يدلف ( ظافر ) إلى البار ، عند الساعة الثامنة مساءاً كعادته ، يندسّ لفوره بين الجموع المكتظّة ، وقد زاغ بصره تماماً ، تهتزّ عيناه وتكاد تستمني من فرط الإغواء . يظلّ يتنقّل بنظره يميناً وشمالاً ، مأخوذاً بالمشهد الأنثوي الفاجر ، وقد بدأ الخدر السريع يدبّ في أوصاله جراء سحر الشذى الذي يأسر اللب ويخلبه . ما يلبث أن يتحرّش بهذا وذاك ، وهو أشدّ استثارة ورغبة . كنت تغار عليه كما تغار الفتاة على عشيقها ، تتحرّق شوقاً لموعده ، وتحسّ بالقلق يدبّ في قلبك لفرط حرصك عليه . وأمسيت عاهرته أمام الملأ ، بل أنت تتباهى على الدوام وتخبر أصدقائك قائلاً :

« إنه شاب يمتلك حرارة عجيبة ، وسلاحه فتّاك إلى درجة يذيب حتّى حديد السرير » .                                             يبتسم لك أحد الأصدقاء ويسأل :

« وهل هذا السلاح يشبه بنادق الأمريكان ؟ » .

   في مكانك المعتاد ، تجلس منتظراً بسترة الموهير الأسود ، الملطّخة ببقع بيض شاحبة لبتلات زهرة الجاردينيا ، وأنت تلقي برأسك إلى الخلف مرتخياً ، ومستسلما ، وقد تفجّرت ألوان الزينة اللعينة على وجهك الجميل . ما أن يدنو ( ظافر ) منك ، تتهلّل أساريرك بالفرح ، وتتّقد في صدرك شرارة الحياة . كان يلهمك الكثير من الإحساس ، بل وتنتابك الحكّة الجارفة لرؤيته في الحال . تشرع باستعراض أصدقاءك الجدد أمام ( ظافر ) ، وتخبره قائلاً بطلاقة محيّا :

« أنظر يا ( ظافر ) ، جميعهم طلبة جامعيون » .                                                                                                     وكثيراً ما كان ( ظافر ) يلتفت صوبهم ويخبرهم على نحو فاسق قائلاً :

« ديلان فتاتي الصغيرة ، إنها لا تفهم في العهر كثيراً ، أنا شخصياً أكثر عهراً منها » .                                             يضحكون جميعاً ، قبل أن ينغمسوا في الصخب .

   يتوافد المثليون إلى البار ، ويفجّرونه ببهرجة زينتهم . وما تلبث الأضواء أن ترمش بجنون وهي تنصت إلى الأغنية العذبة ( أرقص لوحدي ) التي تصدح في الحال . ينهض الجميع راقصاً ، وقد احتضن بعضهم بعضاً . وينتشي ( ظافر ) وهو يرمي بمنقاره نحو سقف البار ضاحكاً .، وقد فاضت دواخله بالسعادة . وفي لحظة تلتقي أيديكما بحرارة ، وتهرعان إلى حلبة الرقص ، وكل منكما أشبه بطائرة شراعية تحلّق بأجنحة من هواء ناعم ، في كبد سماء يزيّنها قمر أمريكي أزرق . كانت النجوم المتكسّرة تسقط فوق وجهيكما ، وتشرعان بالضحك من دون سبب . ترتمي فوق عنقه ، بينما هو يمرّغ نهديك المسكينين بكلتا يديه ، ويشعل جميع مصابيح غرف النوم الحمراء في داخلك . وعلى الرغم من دفقات السعادة ، فإن عبارات الضياع تنفرط من لسانك غفلة .

   في إثر ساعات من القصف والعربدة ، تمسك بيد ( ظافر ) وتغادران معاً ، وأنت تنزع عينيه عن أولئك الفتيان بقوّة ، قبل أن يعمي السكر بصره . تهرعان في الحال إلى مسكنك ، وتستحمّ على عجل ، لتخرج من الحمّام بثياب نوم نسائية ورديّة ، تنضح بالسحر المثير ؛ ثم تلقيان بجسديكما فوق السرير ، حيث الملاءات والأغطية تسبح في الخزامى الحي . فوق السرير ، يبدأ وجهك المجهد ينبسط في غبطة ، بينما يأخذ ( ظافر ) بتدخين الماريجوانا ، يمتصّ نفساً ، ويزرع طرف السيجارة بين شفتيك لتأخذ أنت نفساً آخر . وبعد دقائق تنتشي وتستغرق في الضحك ، وكانت فراشاتك المحنّطة ، التي تعلو الجدار المواجه للسرير ، ترفرف بفرح ، وتهتزّ كما لو أنها غارقة في رحيق الزهور . لا شكّ أن ( ظافر ) وسجائره يأخذان بيدك في رحلة سحرٍ عبر الكون ، حالمة ، ومترعة بالفرح .

   فوق السرير ، تتابع أنفاسكما ، وأنتما تنهجان مثل ثورين مطاردين ، تصرخ ، وتنتحب ، وثمة سحابة صفراء تغيم فوق بصرك ، وسرعان ما تبدأ بفقدان وعيك . يجنّ ( ظافر ) وهو يشاهدك على هذا القدر من الانهيار والتلاشي ، وينظر إليك من تحته في شغف كما لو كنت نسخة حيّة من فراشة ورديّة نادرة ، فيمسك بالزهرة المرتعشة بين أصابعه ، ويذرف فوقها أحرّ الدموع . إن النهر رائق ، ودافئ ، وعميق ، يخوض فيه ( ظافر ) إلى حدّ الركبتين ، محمحماً  بصوت يهزّ الضفتين .. يخوض ولعابه يتصبّب على ذقنه ، مثل رضيع يعبّ من ثديٍ .

لا تتردّد من أن تخبر أصدقاءك في زهوٍ ، قائلاً :

« إن ( ظافر ) هذا أستاذ حرفة صارم جداً في الفراش ، يمسك بك في أعلى السفح ، وينحدر معك إلى قاع الوادي ، وأنت مغمض العينين ، في حماوة واهتياج » .

   عندما تنالان قسطاً من الاستراحة ، سرعان ما تعاودان لعب دوريكما ، وتستنزفان عصير الليل الأحمر حتّى آخر قطرة منه ، وفوق ذلك السرير الملتهب ينهمر العرق العاطفي الغزير .

   أنت تلجأ إلى ( ظافر ) في ثقة مبعثها أن لا أحد غيره بوسعه إطفاء نيران الشهوة في أعماقك ، كما يفعل هو ، على الرغم من عفونته ، ورماد سجائره الذي يتبعثر في أرجاء الغرفة . وحقيقة إنك تعثر على السعادة بين يديه ، ولكن لا أحد يستطيع أن يؤكد أنك سعيد في أوقاتك الأخرى .

   في آخر الليل ، تستلقي منهكاً ، بوجه شمعي ، يماثل وجه فتاة عليلة . تجثم في سريرك صامتاً ، لا تحرّك ساكناً ، تنصت إلى نبضات الألم الذي يتحرّك صاعداً مرّة ، ونازلاً مرّة أخرى في المستقيم ، وقد تعكّر صفو أمعائك ، حتّى تخلد إلى النوم .

   في ضحى اليوم التالي ، تفتح عينيك على العظام المتيبّسة ، والأطراف المتشنّجة ، وتشعر كأنك  قطعت البلاد سيرا على الأقدام في الليلة السالفة . من حولك ، أعشاب الرغبة شاحبة ، ومنكفئة على أرض الغرفة ، وفوق الجدران تنظر إلى فراشاتك النادرة ، الثمينة ، المحنّطة ، لتراها جامدة لا تقوى على الحركة أو الرفيف .  وتحت وسادتك تندسّ خمسة عصافير خضر ، تركها ( ظافر )  قبيل مغادرته . الآن ، أمامك سبعة أيام أخر ، عليك أن تنتظر انقضاءها ، حتّى تلتقي ( ظافر ) مرّة أخرى ، وهذا موعد ثقيل وطويل بالنسبة لشخص متشّهٍ ، ومتعطّشٍ ، وشغوف ، لا يقوى على طول الانتظار .. الانتظار من سبت إلى سبت مضنٍ ، وشبه مستحيل . ولذلك ما تلبث أن تخرج صوب الأسواق القريبة من مسكنك ، زاحفاً زحفاً دودياً ، بملابسك الجريئة ، ومجوهراتك المثيرة ، والدم في جسدك يثور مغنّياً ( أرقص لوحدي ) ،  فتخترق الظلام بقميصك الذهبي المذعور ، لعلّك تصادف أحداً يروق لك .

                                        ◙ ◙ ◙ ◙

   عندما أبحث عن التعاطف الحقيقي مع شخصك ، لا أعثر على من يتعاطف معك سوى أولئك الزائفين . إن المعاناة في حياتك هذه أمر لا مفرّ منه ، وعلى الرغم من قصر عهدها ، إلّا أنها زاخرة بالصدمات ، والمرارة ، والكثير من الفخاخ ؛ وكم من المحتالين والمنحرفين طاردوك ، وأنت تعذّب أحلامهم ، وتشعل النار في قلوبهم ، ربما بسبب هذا تبقى خطاك مرتبكة وحذرة على الدوام ، وهي تمضي على سلك مشدود بين الذكورة والأنوثة . وها أنت لا ترعوي من دفن نفسك في خضم الكحول والمخدرات ، بعيداً عن بأس العالم وفظاظته .

   الحياة سريعة ، أليست كذلك ؟ . إن كل ما تملكه اليوم من ثمار نضرة ، سوف يحين موعد ذبولها وجفافها . ما إن تمر بضعة سنوات آخر ، حتّى تتجرّد من الإغراء والإثارة . أنت لست ساعة سويسرية الصنع تعمل بدقّة ، واستمرار لوقت طويل من الزمن . بلا ريب أن نعومتك ، وجمالك ، وقوّة استجابتك في الفراش ، سوف تتلاشى وتضمحل في أحد الأيام ، وحينذاك لا أعلم كيف ستكون .. لا أعلم ما أنت فاعل فور نضوب كل هذه الفورة العاطفية غداً .

   قد يبدو الأمر سهلاً في التحوّل والتغيير ، ولكن الحياة صعبة ، بل صعبة جداً وفق هذا الطراز ، وإحدى الحقائق الثابتة التي لا يمكن أن نغفلها ، إنه في عالم الفاكهة ، قليل جداً أولئك الذين يحبون تذوّق الثمار المطعّمة . ما من شكّ أن قلبك مفعم بالدفء ، ولكن الناس لا ترى سوى قشعريرة البرد وهي ترتعد فوق جسدك النحيل .

◙ ◙ ◙ ◙

  إنك ترى أنني لم أقل ذلك ..

جميع الحكايات البائسة ، والنميمة المخجلة ، التي تداولها أصحابك ، ومرّغوا فيها سمعتك ، غفلتها أنا ، ولم آتِ على ذكرها قطعاً . الكلام طويل ومؤلم يا ديلان ، والحكايات يستعر أوارها ، لا سيّما عندما يسافر ( ظافر ) إلى بلاده ، ويتركك وحيداً ، مهجوراً لشهور عديدة ، تعاني حرقة العطش ، فتذهب متنقّلاً من ذراع لأخرى ، تريد أن تشفي غليلك  .

   كثيراً ما تتقلّب في فراشك ، وتسرح في خيالك ، وتحاور ذاتك بطريقة تأمّلية  ، وأنت تعمل النظر في حالك الذي عليه . تسترجع الكثير من الأفكار والصور التي تستثير حفيضتك . وفي دقائق ، تحلّ الخواطر الغريبة في ذهنك . لقد ذهب بك التوهّم إلى أن تصير امرأة ، وبذلت المستحيل لأجل ذلك ، ولكنك غالباً ما تهمس قائلاً لنفسك بكدرٍ :

« ثمة شيء ناقص بالتأكيد » .                                                                                                                                 تتحسّس أسفل بطنك برفق ، وتفكّر بأنك لا تملك رحماً يملأ جوفك مثل جميع النساء ، وهذا ما يحرمك من إنجاب الأطفال حتّى آخر العمر ، فينتابك الأسى ، وتشعر أنك سوف تحيى كما تحيى المرأة العاقر ، وحيدة ، ويائسة . وعند هذه النقطة الحرجة بالذات ، تصحو تماماً على نفسك ، وتدرك أنك لست امرأة ، ولا رجلاً أيضاً ، بل ولا أحداً حتّى .

أيّ حياة حياتك يا ( ديلان بارتي ) ! .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منيسوتا ــ يناير ــ 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *