(( Zero Zero Zero )) رواية روبرتو سافيانو ، عصر الكوكايين

(( Zero Zero Zero ))  رواية روبرتو سافيانو ، عصر الكوكايين

 

روبرتو سافيانو :
روائي ، وكاتب مقالات ، وصحفي ، وكاتب سيناريو إيطالي ، من مواليد ١٢ ديسمبر ١٩٧٩ . يستخدم الأدب والتقارير الاستقصائية ليخبرنا عن الواقع الاقتصادي لخفايا الجريمة المنظّمة في إيطاليا ، لا سيّما جمعية كامورا الإجرامية وهي :  جمعية سرّية إيطالية من المجرمين نمت إلى السلطة في نابولي خلال القرن التاسع عشر.  أصولها غير مؤكّدة ، ولكن ربما كانت موجودة في إسبانيا في وقت مبكر من القرن الخامس عشر وانتقلت من هناك إلى إيطاليا.  مع تنامي نفوذ كامورا وقوتها ، شملت عملياتها أنشطة إجرامية من أنواع مختلفة ، مثل التهريب والابتزاز والسطو على الطرق . وتم ضم أعضاء كامورا إلى خدمة الشرطة ، وترسّخت المنظمة بين موظفي البلدية في نابولي والجيش .
   نشر روبرتو سافيانو كتابه ( جومورا) عام ٢٠٠٦ ، والذي يوثق تسلل سافيانو والتحقيق في مختلف مجالات العمل والحياة اليومية التي تسيطر عليها أو تؤثر عليها المنظمة الإجرامية كامورا . وحقّق هذا الكتاب شهرة فائقة ومبيعات كبيرة في حينه ، ولكن المؤلف تلقّى على أثره تهديداً بالقتل من عصابات كاساليس في كامورا ، وهي الجماعة التي ندّد الكاتب بها وبأعمالها ، ومنذ ذلك الحين تمّ وضع سافيانو تحت حراسة أمنية مشدّدة ، وظلّ حتّى الوقت الراهن في حمايتها . وقد تعاون سافيانو مع العديد من الصحف الإيطالية في منشوراته ، كما أنه يكتب حالياً في صحافة دولية مرموقة ، من مثل : الواشنطن بوست ، ونيويورك تايمز ، والأكسبرس ، وديرشبيجل ، والغارديان ، وغيرها .
وقد نالت كتاباته الثناء من العديد من الكتّاب المهمّين ، والشخصيات الثقافية مثل أمبرتو إيكو .
ما هو الكوكايين ؟ إنه في المقام الأول مخدر يسبب الإدمان ، وهو مشتق عادة من نبات الكوكا ، وهو نبات استوائي أميركي.  وهو أيضاً، كما يقول روبرتو سافيانو، المادة التي يتكون منها عالمنا.  فهو عبارة عن علبة في حفاضة طفل ؛ وكتلة من المادة البيضاء مخبأة في حاوية موز؛  و ( ٧٨, ١ ) طن في خزان مياه شرب في عنبر سفينة ماستر إنديفور، وهي سفينة تجارية متجهة إلى غرب أفريقيا . وهو عبارة عن متعاطي مخدرات ، كان محشواً في السابق بكبسولات مخدرات ، ولكنه الآن يرتدي سترة مشبعة بالكوكايين السائل.  وهو عبارة عن ٦٥% من الكوكايين النقي الممزوج بالليفاميزول ، والذي يستخدم لعلاج الديدان المعوية في الماشية ، أو هو Zero Zero Zero ، وهو الاسم الساخر الذي يطلق على أفضل أنواع الكوكايين ، حيث أن دقيق ( 000 ) هو أفضل دقيق للمعكرونة.  وهو عبارة عن ١٣ مليون أوروبي استنشقوا الكوكايين مرة واحدة على الأقل في حياتهم ، والمليار جنيه إسترليني الذي ينفقه البريطانيون سنوياً على الكوكايين. إن الكوكايين هو ما يزيّن عجلات لندن. وتجاوز القرار المحير الذي اتخذه سافيانو بصياغة فصل ـ إضافة إلى الطبعة البريطانية ـ على هيئة نوع من المائدة المستديرة للاعترافات المجهولة ، لأن المحتوى أكثر أهمية من الشكل.  وتجاهل الكتابة المحمومة أحياناً ، والتجاهل المتكرر للجمل التي تحتوي على الأفعال ، لأن هذا سرد كثيف ومبهر ومذهل عن العنف المرعب الذي ترتكبه تجارة الكوكايين ، ولكن أيضاً عن نطاقها الواسع الذي لا يمكن المساس به . إن الكوكايين موجود في كل مكان.  فهو يزيّن النظام المصرفي ، ويملأ جيوب منفّذي القانون ، ويغطي موانئ أفريقيا ، و”السوبر ماركت العملاق” لعصابات المخدرات المكسيكية ، إن الكوكايين قادر على تخديرك ، وكذلك الأمر بالنسبة للجزء الأول من الكتاب ، مع وجود عدد كبير للغاية من الفصول حول مجرمي المخدرات العنيفين ، بحيث يختلط الأخوان بلتران ليفا بعصابة كايبيليس ، وإل بادرينو بإل تشابو.  وعلى نحو ما يبدو الكتاب للقرّاء : “إنه ويكيبديا عن الكوكايين”  ، لأنه بين القصص المألوفة عن بابلو إسكوبار وكارتل كالي ، هناك تفاصيل لا يمكن العثور عليها من خلال البحث عبر الإنترنت.
   على مدى ثماني سنوات ، منذ أن كتب رواية جومورا الشجاعة بشكل مذهل ، عن الكامورا النابولية ، عاش سافيانو حياة مشلولة مقيدة.  كان دائمًا برفقة سبعة من رجال الكارابينييري المسلحين.لأجل حمايته من التهديد ؛ كان يعيش في غرف الفنادق أو الثكنات ، ونادراً ما كان يعيش لأكثر من بضعة أيام في المرة الواحدة . لكن هذا يضعه في قلب إنفاذ القانون .
إن روح الدعابة التي يتسم بها المهربون لا تقل سواداً عن أنشطتهم. فقد اختطف أحد المهربين قسّاً كولومبياً وأجبر على أكل أصابعه المقطوعة ، ثم تمّ خصيه بعد ذلك ؛ كما قُتِل مئات من الفلاحين باستخدام المناشير الكهربائية في مذبحة تروخيو عام ١٩٩٠. كما أن جرائم القتل التي يرتكبها مهربو الكوكايين عميقة بقدر أرباحهم : فأي بحث على موقع يوتيوب عن لوس زيتاس سوف يظهر عمليات قطع رؤوس وتقطيع أوصال كثيرة.  والإرهاب يجلب الطاعة ، ويحمي الربح ، ولا يوجد مُنَتج يعطي عائداً على الاستثمار أفضل من الكوكايين : ففي عام ٢٠١٢ ، إذا استثمرت ألف يورو في أسهم شركة أبل ، فإنك ستكسب ١٦٧٠ يورو في عام واحد.  وإذا استثمرت في الكوكايين ، فإنك ستكسب ١٨٢ ألف يورو.  إن الكوكايين أصل آمن مضاد للدورة الاقتصادية ، ويحظى بطلب دائم.  وهو “أسهل بيعاً من الذهب، وقد تتجاوز عائداته عائدات البترول” .
   أما النصف الثاني من الكتاب فهو أكثر نقاءً، وأقل تفصيلاً وغير ضروري. إن قصة برونو فودولي، صاحب مصنع رخام في كالابريا لا تربطه أية صلة بأي جماعة أو عصابة ، والذي تحوّل إلى سمسار للمتاجرين ، قصة مرعبة، فالتجارة في الكوكايين تبنى على أيدي آلاف المزارعين وأصحاب الأعمال الصغيرة ، وغيرهم ممن يتعرضون للابتزاز والتهديد . ويكتب سافيانو أن الكوكايين ليس مجرد جزء من السوق العالمية ، بل هو السوق العالمية ، ولهذا السبب أطلق على أحد سماسرة الكوكايين لقب ( كوبرنيكوس ) ، لأن “الكوكايين كان في السابق يدور حول المال ، أما الآن فقد أصبح المال هو الذي يدور في فلك الكوكايين ، وامتصه مجال جاذبيته” . بنك واكوفيا ، وإتش إس بي سي ، وبنك أوف أميركا، جميعها أدينت أو تم التحقيق معها بتهمة السماح للمتاجرين بغسل الأموال ، وأفرج عنها بغرامة أو لا شيء.  إن المبالغ والأرباح المذهلة التي حقّـقها الكوكايين كانت  أثناء الركود الاقتصادي في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، السيولة الوحيدة التي أبقته بعض البنوك على قيد الحياة ، حيث كان 97.4% من عائدات الكوكايين التي يغسلها الكولومبيون تمر عبر البنوك الأميركية والأوروبية. ولا يقتصر الضرر الذي يخلفه الكوكايين على البلدان البائسة مثل المكسيك وكولومبيا.
   ويكتب سافيانو: “أريد أن أصرخ بصوتٍ عالٍ بما يكفي حتى يعرف الناس ذلك ، حتى يستعدّوا للعواقب”. ونظراً للطريقة التي يعيش بها سافيانو، فقد لا يكون من العدل أن نتمنّى أن يبدو جزء من الكتاب أكثر حيوية ، وليس مجرد سرد للمخطوطات والقصص المنقولة.
وكثيراً ما يقول سافيانو إن المافيا لا تخاف منه ، بل من قرّائه.  وهو يؤمن بقوّة الكشف ، سواء كان ذلك من أجل إضفاء الشرعية على الكوكايين ـ “ربما كان رد الفعل مروّعاً ” ، ولكنه الرد الوحيد الممكن ـ أو من أجل أن تقرأ وتفهم ، وتنظر إلى ما يسميه الهاوية التي تمثّـل إدراكاً لكيفية دوران العالم حول الكوكايين، ومدى سرعته وحركته الدائمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *