كتاب اللبّاد ــ قصة

كتاب اللبّاد

قصة قصيرة ــ محمود يعقوب

 

( إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى ، فمن كانوا يتكلمون في البارات فقط ، بعد تناول كأس من النبيذ ، من غير أن يتسبّبوا بأي ضرر للمجتمع ، كان يتم إسكاتهم فوراً . أما الآن فلهم الحق في الكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل  )
                                                                                                                                                        الفيلسوف الإيطالي والأديب إمبرتو إيكو

 

   ما من حكاية كرهت كتابتها بقدر هذه الحكاية المشؤومة ، على الرغم من أنني كتبتها في أكثر حالات استرخائي وفتوري ؛ بل لأقول الصدق ، أنني لم أكتب هذه الحكاية في واقع الأمر ! إذ بعثت الأقدار إلي من كان متحمّساً للانخراط طوعاً في كتابتها .

   ذات ليلة ، تهيأت لي فكرة كتابة هذه القصة ، فعمدت إلى غرفتي ، وأغلقت الباب دوني ، وشرعت في الكتابة . ولكن ما أن تحرّك سن قلمي ، حتى اندلق منه ، بدلاً من الحبر ، سيلاً من دخان كثيف ، أشهب اللون ، راح يخيّم سريعاً في أجواء الغرفة ، ويحجب عني رؤية الأشياء رويداً رويدا . أحسست كما الصعقة ، رميت بالقلم على أرضية الغرفة ، وأنا أحدّق فيه مأخوذاً . كان يئزّ أزيزاً متواصلاً وهو ينفث الدخان من غير انقطاع ، حتى غمرني بسحابة شديدة الوطأة ؛ بينما كنت أقف جانباً في ركن من أركان الغرفة ، لا أقوى على الإتيان بشيء . وكل ما كان قد حضر ببالي ، في تلك اللحظات ، أن قلمي لا يضمّ سوى الكلمات الجوفاء التي راحت تستحيل إلى دخان متطاير .

   سرعان ما بدأ الأزيز يخفت ، والدخان يشف تدريجياً . ولم تكد تمرّ دقيقة من الوقت ، حتى تبدّد الدخان وهو يسفر عن جسد رجل نحيل القوام ، حَسِن الخلقة ، وقد غمر جسده بملابس عصرية فضفاضة . ابتسم في وجهي ، بلطف ، وقال :

« آسف أن أزعجك على هذا النحو ، وأفرض حضوري عليك من دون موعد مسبق . لقد أدركت أنك تعتزم أن تكتب الليلة قصة عن صديقي فأسرعت إليك ، راغباً في أن نتقاسم معاً كتابة حكايته ، إذا سمحت » .

« هل أنت صديق الفنّان وسام ناجي ؟ » .

« هذا الاسم المستعار من صنعك أنت ، ولكن دعنا نتعامل باسمه الحقيقي حتى تكتمل حكاية قصته على حقيقتها » .  

   تهيأ لي أن ملامح الرجل الذي انتصب حيالي أقرب إلى ملامح الجن . لم يهتف لحظة ظهوره : ( لبيك .. لبيك ، عبدك بين يديك ) ، بل وقف في منتهى الثقة ، وأخذ يُملي علي أوامره ، قبل أن أطلب منه الجلوس .

   كان الرجل يرتدي قميصاً أصفرَ فاقع ، ويلفّ حول رقبته وشاحاً قرمزي اللون ، ويعتمر قبعة سوداء من تلك القبعات التي يعتمرها الأدباء عادة .

« هل أنت فنّان أيضاً ؟ » .

« كلا ، أنا وحيٌ » .

« وحي .. وحي في أي شيء ؟ ، أنا لا أفهم ما تعنيه » .

« أعني أنني كنت الوحي الذي ألهم مخيلة صديقنا الفنّان ، وكنت أحبو عليه بالأفكار وأمدّه بالإبداع ، يوم بدأ مشواره مع الفن . أليس لكل شاعر وأديب وفنّان وحي ؟ » .

« ولماذا لم تكن معه ؟ » .

« في الحقيقة ، لقد تخليت عنه منذ سنوات عديدة ، منذ تخلّى هو عن الفن ، وعاد لا يمتلك سوى صفة فنّان » .

« هل قلت أنك ترغب في مساعدتي بغية إنجاز هذه القصة ؟ » .

« كلا ، بل جئت لكي أكتب القصة بنفسي » .

وفي غاية الجرأة طلب مني أن أتنحى جانباً ، وسارع لالتقاط القلم من الأرض ، وتقدّم من طاولة الكتابة ، كأن الوقت كان يدركه ، وشرع يكتب :

« كنت الوحي الوحيد من بين جميع الوُحِيّ ، الذي ارتضى خدمة هذا الفنّان ،  يوم انبرى ، جريح الروح ، ومكسور الفؤاد ، إلى ترياق الفن . انجذبت إليه بدافع العطف فقد كانت نفسه حزينة ، ووجدته ينكب على الشراب في أغلب لياليه ، وسرعان ما ينهار باكياً . من يومها وأنا أدرك أن عملاً كثيراً ينتظرني مع هذا الفنّان الكسول . كان صاحبي طيب القلب ، ولكنه متأرجح الرأي والفكر ، لا يستقر على حال .

   يوماً بعد آخر ، تأكّد لي أن هوس الشهرة  والرغبة الجامحة في إظهار ذاته ، وتأكيد شخصيته تدفعان به في عمله . البعض يخدعهم عشق الظهور ، والرغبة في التميّز ، والسعي إلى التفوّق بما أوتوا من براعة في الحديث لا أكثر . هؤلاء لم يتهيأ لهم توقّد الذهن ، ولا يمتلكون الذكاء والموهبة لبلوغ طموحاتهم الآنية ، وكل منهم يروم أن يكون له سلطان وغلبة بين أصدقائه . ومن هنا يتبين لنا سبب كثرة الخصومة ، والمماحكة ، والمنافسة الحامية بين بعضهم والبعض الآخر ؛ حتى أن الحسد يأكل فيهم مثل حيوان مفترس » ..

قاطعته متسائلاً :

« ألمْ تقدّم له النصح والمشورة ؟ » .

« إنها دنيا لا تنفع معها النصائح » .

وكان ممتعظاً . أطلق تنهيدة ، وعاد يكتب قائلاً :

« طالما كان هذا الإنسان انفعالياً ، مزاجه موقوت وسريع الانفجار بين أفراد أسرته . رغباته جامحة وعجيبة . كثير الإشارة والغضب لأتفه الأمور . يميل إلى السب والشتم ، وطلب أشياء تثير دهشة الآخرين أحياناً . لا يعالج مشاكل بيته بحصافة وذكاء ، ومع ذلك لا أريد أن أقول عنه غبيّاً . حين أمعن النظر في عينيه ، لا أرى عينين حالمتين بقدر ما أرى عينين زائغتين . الغباء والبلاهة ، يا صاحبي ، لا يورقان أحلاماً طفولية تتدفّق بصفاء ، ونقاء ، وطهارة » .

   كانت الأشعة الحمراء تنهل عبر زجاج شبّاك الغرفة في ذلك الأصيل . واسترخى قليلاً ذلك الانشداد الذي أمسك بأعصابي ، فارتشفت شيئاً من الماء لأطفئ الظمأ الذي أحسست به . وقلت له :

« أيها الوحي عن أذنك  » .

وتناولت القلم والورق من بين يديه ، وشرعت أكتب أيضاً ، في استطراد  لكتابته :

« أشعر بعدم الارتياح وأنا أكتب هذه السطور الغمّاء . إن هذا الرجل فنّان في سابق عهده ، غير أن شياطين الفن أحكمت القبض عليه وحملته عنوة ، وألقت به ، بعيداً عن الفن ، على صفحة من صفحات الفيسبوك . بات يدرك أن بريق الشهرة الذي كان يطمح ويتوق إليه منذ وقت طويل يبرق كالشمس على هذه الصفحة .. على هذه الصفحة فقط يتألّق ضوء الشهرة  ، ينبض بقوة مثل ضوء فنار .  سوف يركل ذلك الفن الوعر ، وعثراته التي لا تنتهي ، ويمسك بخناق الشهرة من أول عبارات يكتبها في صفحته .. أوَ ليس هو الفنّان المعروف ؟ .

ربما وجدَ في تلك الصفحة السلوى عن بلوغ مصاف الموهوبين . تأملّت مليّاً في صفحته ، إن كل شيء نيّئاً في تلك الصفحة ، لغته الفجّة ، وأفكاره المشتّتة ، وخواطره السطحية . كانت صفحته مائدة باردة على الرغم من كثرة الأيدي التي تتناوب فوقها . وحتى صورته ، كانت نظراته  تكاد تنطلق من لحم صلدِ ، محفوظ لزمن طويل في صندوق التجميد . يتحدّث كالمراهق ، ليس بوسعي أن أعرف لمَ  يتحدّث هكذا كالمراهقين وينسى أنه رجل ربا عمره على الأربعين . أن تكتب وأنت مترنح من السكر فهذا يعني أن كلماتك مترنّحة هي الأخرى ، ولا تستطيع أن تقنعني بشيء .. يا للسكر! » .

أوقفني الوحي عن الكتابة . تهيأ لي أنه لم يكن على قناعة مّما أكتبه ، وعاد يقول لي :

« دعْ القلم ، ولأخبرك بأنه يسهر طوال الليل مع الشبّان والشابّات ، يكتب لهذا ويردّ على تلك ، وعند طلوع الفجر يخلد إلى النوم كما تنام الكلاب . وفي اليوم الثاني ينهض متحمّساً ليعيد الكتابة كرّة أخرى وكأنها فروضاً مدرسية . بات ينهل من صفحات الفيسبوك مباهج زائفة ، وأحزان زائفة ، لا تورث في دخيلته سوى بعض المشاعر السطحية التي سرعان ما تختفي وتزول » .

   في تلك الأثناء ، قمت بفتح الحاسوب ، والنقر على صفحة صديقنا الفنّان . كان قد نشر صورة حديثة تجمعه مع بعضهم ، وكتب أسفلها بعض المقولات الاستهلاكية الشائعة ، وإلى الأسفل منها سوّد مقالة أغرقها بالعبارات السوقية ، في لغة تنزلق إلى أسلوب اللغة الدارجة ، وكان يطلق العنان لقلمه . تحسبه يمسك بصفحة الفيسبوك ليشرح دخائل وبواطن الأمور ، ولكن كل ذلك محض هراء . وكلما نظرت إليه بتوقير تعود نظراتي لترجع خائبة .

دقّقت في عدد المتابعين له ، كما مدوّن على صفحته لأجده رقماً تخطّى كل الحدود ، وطلبت من الوحي أن يدقّق ذلك بأم عينيه ، فصفرَ بشفتيه وهو يقول مندهشاً :

« يا لخيبة مكسيم غوركي لقد مات وهو يحلم بمثل هذه الأعداد من الذين يمكنهم أن يقرؤوا قصصه » .

« نعم ، هذا رقم كبير لأولئك الشبّان والشابّات الذين يخوضون في صفحته .. رقم لا يتخيله كاتب ، وكلهم يكيلون له المديح ، حتى ينتفخ قلمه كبراً وخيلاء ، وبات الرجل يعزو لنفسه أهمية استثنائية » .

« أعداد غفيرة وقعت على بعضها كالطيور التائهة » .

أردت أن أكتب شيئاً مثيراً عنه ، ولكن الوحي لم يترك لي فرصة ، فقد استحوذ على القلم والورق ، وشرع يكتب بحماس :

« كان صاحبي الفنّان ماشياً في درب لا نهاية له أبداً . وجد نفسه ينحدر ، من غير أن يدرك ذلك  ، إلى معترك ثقافي ، واجتماعي ، وسياسي ، وكان قلمه كالسيف البتّار . طفق ينهض بهذه الأعباء باندفاع وبهجة . تحصّن بمئات من المعجبين من حوله ، وراح يخوض معارك سياسية لا قِبَلَ له فيها ، ولا أول لها ولا آخر . إن الموضوعات السياسية حسّاسة دائماً ، وعلى درجة من الخطورة ، وينبغي أن تُدار بكثير من الموضوعية ، لأجل الوصول إلى قناعات عامة ، بعيداً عن العواطف والذاتية ، ولكن أنّى لتلك العيون التي علاها غبار الغفلة أن تعي هذا الأمر . كان قلمه محشواً بالطلقات ، وعلى الرغم من طول الليالي التي أنهمك فيها متصارعاً ، إلّا أنه لم يحدث تغيراً يُذكر في عالم السياسة .

   يحاول أن يتشبّث بتلاليب الفن ، ولكن على طول صفحته ليس بوسع المرء أن يرى غير شبح هزيل للفن يكاد يبتلعه الضباب الغسقي المعتم . لم يبدع في أمر آخر غير الخوض في مستنقع السياسة الآسن ، تحوّل هو ومتابعيه إلى أشجار نابتة في هذا المستنقع ، وكلنا نعلم بأن أشجار المستنقع غير عميقة الجذور ، سرعان ما تهوي ساقطة في عرض مياهه الآسنة . بهذا الأمل الخافت راحوا يشحذون هممهم .

    والمصيبة أنهم وجدوا في الشتائم والمسبّات سلاحهم الماضي ، الذي يحطّم خصومهم . إن صديقي الفنّان ، بلا شك ، يبارك تلك التربية الأولى التي سكبت في أذنيه ، أيام الطفولة ، أقذع السباب وأعتى الشتائم ، فقد باتت معيناً يغترف منه كل يوم . كان صاحبي ذوّاقاً ومتأنقاً في شتائمه .. شتائم رقيقة ودقيقة ، إن الشتيمة علم وفن بلا ريب . وكان خصومهم أكثر بلاءً في هذا المضمار ، فكانوا يردّون على الشتيمة بشتائم أكبر ؛ وهكذا ، وعلى وتيرة واحدة ، حلّت اللعنات الزرقاء على طول صفحات الفيسبوك . لقد رسخ في عقل صاحبي أن ما يقوم به هو واجب وطني وإنساني لا مفر له من النهوض به . لو أنه كان يتطلّع في أن يغدو رجل سياسة ، فهذا شيء رائع ، بصراحة ، ولكن في رحاب السياسة هناك حقائق أساسية كثيرة ، ينبغي عليه أن يلمّ بها أوّلاً ، وإلّا فإنه سوف يقوّض محاولاته في أن يكون مثقّفاً .

 وأود أن أذكر شيئاً غريباً عنه ، أنه لم يعد يلتقي بأحد من أصدقائه القدامى ، ومعارفه ، لأنه أضحى  لا ينبسط ، ولا يشعر بالمتعة الحقيقية إلّا بين متابعي صفحته الشخصية ، من أولئك المعجبين  » .

كنت أطرق ببصري إلى الأرض ، وأنا أستمع إليه وهو يكرّر قراءة ما كتبه الآن ، وحينما توقّف ، قلت له ، وأنا مستغرقاً في إطراقتي :

« أنا لا أنكر أنه آمن ببعض المبادئ ، وهذا شيء حسن ، ولكنه ما أن وجد عدد كبير من المتابعين يتجاوبون مع أفكاره ، حتى راح يعتقد بأنه أينما يضع قدمه على الأرض ، فعلى تلك الأرض أن تكون شبيهة به تماماً ، وإلّا فإنها من خصومه . أنا أعتقد أن ذلك محض هراء ، وطمس لمشاعر وأفكار الآخرين ، ويضرّ بالتعاطف والأخوة ، التي يحتاجها كل الناس . رأيناه يتمسك بالفن ، وحتى هذه اللحظة ؛ ولكن الفنّان يجدر به أن يدرك ، قبل أن يدرك الآخرون ، بأن المجتمع الإنساني كتاب مقدّس ، منزّلاً من السماء ، وكل أمّة فيه هي صفحة من صفحاته ، لا تشبه الصفحات الأخرى . وفي كل صفحة منه أربعة وعشرون سطراً مطبوعاً ، وكل سطر لا يشبه السطر الآخر . وفي كل سطر من الكلمات ما كان يختلف عن بعضه البعض . ولكن على الرغم من ذلك الاختلاف فإن تلك الكلمات والسطور والصفحات تخلق ، في النهاية أفكاراً واضحة . ولو تشابهت الكلمات والسطور والصفحات لما كان لذلك أي معنى . عسى أن يدرك صديقنا أن ذلك الاختلاف لا يستدعي منه ، في أي حال من الأحوال ، أن يهتف بأحد السطور قائلاً له ( ارحلْ عن هذه الصفحة ) . إن الحب الحقيقي هو تقبّل الجميع على تناقض الألوان والصور . إن ما يحيرني حقّاً أن في هذا الزمن المتحضّر هناك من امتلأت قلوبهم بالقاذورات . إن الدماثة من خلق الكاتب ، ومن غيرها لا تكون هنالك قيمة تُذكر لمجمل كتاباته . ما يُكتب ينبغي أن يكون صادراً عن فكرٍ صافٍ ، شديد النقاء . كنت أودّ أن أمسك به ، وأقول له : أيها الفنّان عندما تعجز أن تحب هؤلاء الناس فإنك تقتل فنّك وإبداعك » .

   لم يفتأ الوحي ماسكاً بالقلم والورق ، وبعد تفكّر قليل ، شرع يكتب :

 «  ما يجعل صفحات الفيسبوك مثيرة للدهشة ، هي قدرتها على الامتلاء سريعاً بسفاسف الأخبار ، وتلجلج القيل والقال بين روّادها ، حتى ليخيل لك أن ( كتاب اللبّاد ) قد ظهر ثانية إلى الوجود في هذا العصر » .

« ما هذا ( كتاب اللبّاد ) ؟ » .

« كتاب اللبّاد يا عزيزي هذا ليس بكتاب غريب علينا ، كان كتاب حلبياً ـ سورياً خالصاً ، إنه كتاب الوهم والخرافة ، والمعتقدات والطقوس التي لا تملك تأثيراً حقيقياً على مجرى الحياة . وهو كتاب وهمي في واقع الأمر ، يريدون به مجموعة من اعتقادات النساء الخرافية ، ويزعمون أنه كان سفراً ضخماً ، ثم احترق ، وبقيت منه صفحة واحدة ، ولكن هذه الصفحة لم تدم طويلاً ، حيث سطت عليها الأرضة وأكلتها ، ولم يتبقَ منها سوى جزء يسير ، هو ما محفوظ في صدور النساء هذا اليوم . وذات يوم سخر فقيه حلب من تفاهة هذا الكتاب ، فتصدّت له إحدى النساء الحلبيات قائلة له ، بلهجتها السورية :  ” شيخنا أنتو الرجال عندكن ميّات الكتب ، ونحنه ما عنّا غير واحد ، ضاقت عينكن عليه ؟ ” .

فيا صديقي لا تضيق عينيك على كتاب الفيسبوك ، ولا تكن لئيماً إلى هذا المدى ، وتفيض في هجائه . دعْ هذا الكتاب لهم ، وخذْ جميع الكتب الأخرى لك »  .                                                                                                                                     قال الوحي هذا ، وما لبث أن اعتصر جبينه بأنامله النحيفة ، حتى خلت أن صداعاً طارئاً قد ألمّ به . ولكن سرعان ما بدأ سيل من الدخان ينبعث من أذنيه وعينيه وفمه ومنخريه ، وفي غضون دقيقة واحدة ، غمر الدخان غرفتي ، ولم أعد أرى شيئاً من حولي . ما لبث الدخان أن أخذ يتبدّد وينحسر ، حتّى استطعت أن أشاهد قلمي مرميّاً على الأرض وهو يبتلع هذا الدخان . أصابني ذلك بالرعب ، وأسرعت لأفتح باب الغرفة على وسعه ، ثم تجرّأت وركلت القلم بقدمي ، لأرمي به بعيداً إلى الخارج . وأمسكت بالأوراق التي دُوّنَت عليها القصة ، فمزّقتها إرباً إربا في الحال وقذفت بها إلى سلّة المهملات ؛ كنت مضطرباً ، وترتعد جوانحي وكان كل ما كتبناه من هذه القصة غير مقنع لي تماماً ، بل كنت على يقين من أنّني لم أفعل شيئاً يذكر ، ولا يسعني حتّى الإدعاء بكتابتها ، فمنذ لقائي بذلك العفريت ـ وأنا أخاف من أن أمسك بأي قلم بين أناملي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *