طاهرة علوي ، إحدى الروائيات الإيرانيات اللائي اكتسبن شهرة تخطّت حدود بلادهن ، من أمثال سيمين دانشوار ، وناهيد طباطبايي ، وغيرهن ، واستطاعت أن ترسّخ اسمها في سجل الأدب الإيراني الناصع ، بعد أن نجحت في منجزها الإبداعي في فن القصة القصيرة والرواية .
وُلِدت في طهران عام ١٩٥٩ م . بعد أن أتمّت دراستها الثانوية ، سافرت إلى باريس لإكمال دراستها ، وعلى عكس ما كانت تخطّط له أسرتها اختارت طاهرة دراسة ” أدب الأطفال ” بدلاً من الطب .
وقد كان لها إصدارات أدبية ممتازة ، من بينها :
ـ ” امرأة في مهب الريح ” ، ١٩٩٦ ، مجموعة قصصية .
ـ ” أنا وهايدغر ” ، ١٩٩٧ ، رواية .
ـ ” تحدث حياتي في أيام الثلاثاء ” ، ٢٠٠٠ ، مجموعة قصصية .
” السيدة الكاتبة ” ، ٢٠٠٣ ، رواية .
” لا ريب فيه ” ، رواية .
بالإضافة إلى ترجمتها لعدد من حكايات الأطفال إلى اللغة الفارسية ، منها :
ـ ” أطول رسالة في العالم ” ، نيكول شنغمان .
ـ ” إيما ” . لبيترهادن لينج .
ـ ” وداع الجد ” . لالسي دونيلي .
ـ ” تعثّر ” لراينر زيمينيك .
روايتها ” صيف ذلك العام ” ، الصادرة عن دار المتوسط ، والمترجمة عن الفارسية ، بقلم المترجم والأديب الإيراني أحمد حيدري ؛ هي قصة فتاة إيرانية تقصد باريس لأجل إكمال دراستها الجامعية . رواية ذات وقع متسارع . تضع القارىء في الحال إزاء جمع من المهاجرين الآخرين القادمين إلى فرنسا من أصقاع العالم . الثيمة الأساسية التي تدور حولها أركان الرواية هي حالة الاغتراب التي تواجه المهاجر ، والبحث عن الذات في خضم ذلك المجتمع الاستهلاكي الغربي . وتبدأ الرواية بسرد معاناة لفتاة ، ومهاجرين آخرين ، الذين يشتركون في السكن في بناية واحدة ، في الطوابق العليا منها . تشعر بأن الرواية أقرب ما تكون إلى رواية المذكرات . وبالطبع الكاتبة تنتمي إلى مجتمع شرقي ، تتحكّم فيه تقاليد وعادات ، تختلف اختلافاً جوهرياً عن المجتمع الفرنسي ، لذلك فهي معتكفة ، ومنطوية على نفسها ، في أغلب الأحيان ، وتؤثر الابتعاد عن الانغماس في حياة الآخرين من حولها . وهذا بالطبع يشحن مشاعرها وأحاسيسها بالمزيد من مشاعر الاغتراب والعزلة .وهي تؤكده في تلافيف روايتها : ( لا طريق يربطني مع الفرنسيين ) ، و( لا أحد منهم يعرفني ) . وفي مكان آخر تعترف ( بثقل الشعور بالوحدة والعزلة عن الآخرين ) . ولفرط تعاستها وألم وحدتها فهي تشير قائلة : ( مكان تنزهي وسياحتي هو مقيرة ” دولاشير ” وزيارة قبر ” صادق هدايت ” . فالرواية تؤكد إذن على صعوبة اندماج فتاة ملتزمة بخلفيتها الاجتماعية ، وإخلاقياتها الشرقية ، التي تقف حاجزاً شائكاً يمنعها من التواصل والتجاوب .
وتتم عملية السرد من قبل شخصية أنثى ، ومن منظور الشخص الأول . وتقدم على سرد التفاصيل اليومية لحياتها وما يدور حولها ـ ضمن حيّزها الضيق ـ حيث لم يكن بامكانها التحرّك إلى مسافة أبعد ، بحكم شرقيتها . ولأجل أن تمنح الرواية نبضاً أقوى ، ودفقاً من الحياة ، فالكاتبة تلجأ إلى تناول حياة الشخصيات الأخرى وبعضاً من همومهم ومغامراتهم ، بصورة تحول دون ركود الرواية في مستنقع اليوميات .
ويأتي إيقاع الرواية السريع كنتيجة لإعتماد الكاتبة على سرد مقاطع صغيرة ، ومتلاحقة ، تصف فيها كل وجه من وجوه الشخصيات المحيطة بها ؛ وهي تقتية شائعة جداً في الأدب الحديث ، لا تختلف بشي عن تقنية الدراما التلفزيونية ، حيث تنتقل الكاميرا من وجه لآخر . وهي تعتمد الأسلوب السلس ، الذي يبتعد عن الوصف الفضفاض ، ويتوخى الترشيق والاقتصاد .، ويعتمد اللغة البسيطة ، المطعمّة بالعبارات التي يشيع تبادلها لدى العامة في إيران . ومن خلال تشبّث الكاتبة بمثل هذا النهج اللغوي ، يجعلني أتخيّل أنها تحرص على علاقتها الحميمة مع المجتمع الإيراني وأجوائه الشرقية ، وتعثر فيها على السلوى .
وعلى الرغم من أن الرواية ، كتصنيف أنثوي ، تناولت موضوعاً لا يرقى إلى عمق المشاكل الوجودية ، والثيم السياسية والاجتماعية ، أو الفكرية ، التي ينشغل في الخوض فيها أغلب الروائيين ، لا سيّما الذكور منهم ، إلّا أنها كانت ، بشكل عام ، رواية شيّقة عن مجتمع المهاجرين ومشكلاتهم .
ثمة أخطاء إملائية ، وأخرى نحوية ، وأخرى لغوية ، أتمنّى أن يتجاوزها المترجم القدير أحمد حيدري في ترجماته القادمة . مع تقديري الكبير لمجهوده المتميّز في التعريف بالأدب الإيراني العريق .