ميو ـ مورانو : شاعرة يابانية معاصرة ، تكتب الشعر الياباني الحديث . وقد تصدّى الشاعر السوري محمـد عضيمة ، المقيم في اليابان ، إلى ترجمة ديوانها ( مياه صغيرة ) و ( رسائل الخطمية ) المجموعين في هذا الكتاب ، والصادر عن دار التكوين للطباعة والنشر .
كقدح من الماء الرائق ، تشفّ قصائد هذه الشاعرة عن أعماقها . في قلب الشاعرة ثمة طفلة في السادسة من عمرها ، تقبع هناك ، وتكتب الشعر الذي تمليه على قلم ميوـ مورانو ، ولذلك انسكبت قصائدها بسلاسة ، ووضوح ، وعفوية ، وبراءة .
يغلب الطابع التأمّلي على مجمل أشعارها ، وبحكم يابانيتها الأصيلة فإنها تفيض بالحسية الشعرية ، والاقتران العضوي مع مظاهر الطبيعة من حولها بصورة توأمية ، وهذه ميزة الأدب الياباني ، قديماً وحديثاً .
” أنها شاعرة تنظر إلى تفاصيل الحياة نظرة متعمقة ، وتعيشها بكل معانيها ” ، وهذا ما يجعل الشاعرة تتوقّف مليّاً إزاء بعض المشاهد التي لا تجذب انتباه الإنسان العادي ، وتستلهم منها معانٍ حسّية وجمالية رائعة ، تجعل منها فنّانة مبدعة . والآن لنترك الشاعرة تتحدّث عن نفسها ، كما ورد في فاتحة كتابها :
( تحمل مجموعتي الأولى عنوان : ” الطفلة التائهة ” ، وهي عن طفولتي . وبدقة أكثر ، هي عن الطفلة التي كنتها في السادسة من العمر تقريباً حين وقع الطلاق بين الوالدين وتركتُ أمي . فبعد الطلاق بقليل ، تزوّج أبي من جديد ونشأت برعاية امرأة أخرى . كبرت في البيت الجديد بشكل مناسب وبلا منغصات ، لكن خُتم على حكاية ماضيّ وعلاقتي به . بعبارة أخرى ، قُضي على طفولتي ، أو لم يكن لها طعم ولا معنى . بفضل زوجة أبي استطعت بلوغ سن الرشد بشكل سليم ولائق . أما والدي فقد كان إلى جانبي باستمرار ، وكبرت في كنفه العسلي اللطيف مغمورة بحبه ودلاله . وإحساسي بذاتي ، بوجودي يعود إلى دعمه اللامحدود .
لكن ومع ذلك ، تلك الطفولة التي امتدت حتى السادسة من العمر كانت قد خُتمت ، وبقيت عالقة في القلب والذاكرة .
كنت أريد إظهار ” الطفلة الحزينة ” التي دُفعت بصمت إلى تلك البقعة المظلمة . وكانت كتابة الشعر في نظري هي الطريق إلى ذلك . ويمتدّ هذا العمل من مجموعتي الأولى ” الطفلة التائهة ” حتى مجموعتي الخامسة ” رسائل الخطمية ” ، بشكل مستمر وبلا توقف . صحيح أن المظهر الخارجي الملموس للطفلة بدأ يختفي شيئاً فشيئاً بالتدريج ، لكن بقيت عيناها قريبتين من صدري كالمعتاد . كنت وما زلت أحاول أن أدوّن في القصيدة ما تلتقطه عينا تلك الطفلة .