بانانا يوشيموتو
زهرة الموز الحمراء
محمود يعقوب
بنانا يوشيموتو ، الاسم الأصلي ماهوكو يوشيموتو .
من مواليد ۲٤ / تموز / ۱٩٦٤ .
مؤلفة يابانية ، حقّقت شهرة عالمية في كتابة القصص والروايات . تمتاز بهدوئها ، وشخصيتها غير العادية .
نشأت يوشيموتو في بيئة ثقافية ، أكثر حريّة من بيئة معظم الأطفال اليابانيين . كان والدها تاكاكي يوشيموتو أديباً مثقّفاً ، وناقداً معروفاً . انخرط في العمل السياسي ، وكان قائداً في الحركة الطلابية اليسارية ، في أواخر الستينات ، من القرن الماضي .وأم تكتب أشعار الهايكو . وأختها الكبرى ساواكو يوشيموتو كاتبة ورسّامة ، التي اشتهرت في صناعة أفلام الإنمي أيضاً .
التحقت يوشيموتو بكلية الفنون ، في جامعة نيهون ، طوكيو . وكان مشروع تخرّجها هو روايتها المعروفة ( خيالات ضوء القمر ) ، وقد لاقت نجاحاً فوريّاً . حصلت على جائزة أيزومي كيوكا من هيئة التدريس عن هذه الرواية .
بنانا يوشيموتو ، صاحبة شخصية مثيرة للاهتمام ، كما هو شأن كتبها . ” لديها شغف كبير بالموز ، فاختارت هذا الاسم المستعار ( بنانا ) كدليل على حبها لزهور الموز ، بالإضافة إلى عثورها على اسم لطيف ” ومخنث بشكل هادف ” . إذا لم يكن ذلك كافياً ، فقد كان لديها وشم موزة على فخذها الأيمن . روايتها الأولى ( مطبخ ) طبعت ستون مرّة في اليابان ، وتحوّلت إلى فلم سينمائي مرّتين .
بدأت محاولات الكتابة منذ عامها الخامس بتأثير أختها الكبرى ، التي تميل إلى فن الرسم . في قمة مجموعة السبع عام ۱٩٩٣م ، أدرجت وزارة الخارجية اليابانية نسخاً إنجليزية من رواية ( مطبخ ) ، في الملفات الصحفية للصحفيين الأجانب ، الذين كانوا يغطّون اجتماعات القمة . أوضحت الوزارة ، لاحقاً ، يجب أن يكون هناك عنصر في كتابها يمكن مشاركته ، ليس فقط من قبل اليابانيين ، ولكن من قبل الشباب في جميع أنحاء العالم ” [۱] .
تُعد أحد أشهر الروائيين في اليابان اليوم ، وتأتي بالمرتبة الثانية من بعد الروائي هوراكي موراكامي . شكّلت يوشيموتو ظاهرة أدبية قوية ، في اليابان ، وإيطاليا ، وأمريكا ، على وجه الخصوص . وقد تُرجمت كتاباتها إلى أغلب دول العالم ، وبيعت من قصصها ورواياتها ملايين النسخ . وبدأ القرّاء ينتظرون أعمالها في كل مكان . وحازت على العديد من الجوائز الأدبية الرفيعة ، في داخل اليابان وخارجها .
حقّقت هذه الروائية نجاحاً ساحقاً ، ولفتت جميع الأنظار نحوها في اليابان ، وباتت معبودة الشباب . وعلى الرغم من ذلك لا تزال بنانا شخصية متواضعة ، وغامضة ؛ تتجنّب المظاهر ، والخروج إلى الأماكن العامة ، وتحافظ على حياتها الشخصية .
◘ ◘ ◘
في منتصف السبعينات ، والثمانينات من القرن الماضي ، بدأت الحركة الأدبية في اليابان تشهد تغيرات جوهرية ، ولا سيّما في حركة النثر ، القصصي والروائي . فعلى الرغم من وجود كتّاب ارتبطوا بالقضايا الفكرية ، والأخلاقية ، في محاولاتهم لرفع الوعي الاجتماعي ، والسياسي ؛ حيث كتب أحدهم وهو كينزابورو أوي أشهر أعماله
( مسألة شخصية ) في عام ۱٩٦٤م ، وأصبح الفائز الثاني بجائزة نوبل للآداب ، وذلك في عام ۱٩٩٤م . واهتم ميتسواكي إينو بالقنبلة الذرية ، واستمر في الكتابة عن مشاكل العصر النووي في الثمانينات . بينما صوّر شوساكو إندو المعضلة المسيحية في اليابان .
كما تحوّل ياسوشي إينو إلى الماضي في الروايات التاريخية ، الآسيوية واليابانية القديمة ، من أجل تصوير المصير البشري الحالي . على الرغم من ذلك ؛ أفرز المشهد الروائي موجة من الشبّان ، ينحون إلى الاستقلال التام ، والقطيعة مع الماضي . حيث تبلورت تجارب شبابية ناضجة ، وبرزت أسماء لامعة لم تكن معروفة من قبل . في السبعينات برزت أسماء جديدة مثل : هيكارو أو كويزومي ، كنجي ناكاغامي ، ياسوو تاناكا ، بالإضافة إلى الروائي الشهير هاروكي موراكامي . أما في الثمانينات فقد برز جيل أحدث ، وبملامح أنثوية ، هذه المرّة ، ليحدث انقلاباً مدوّياً ، ويتسيّد الساحة الأدبية ، عن جدارة واستحقاق . برزت يوكو أوغاوا ، ومن أشهر رواياتها ( حوض السباحة ) ،
( الحمل ) ، و ( النحل ) ، وما لبث أن لمع اسم بنانا يوشيموتو . لقد تشبّث الجيل الجديد برؤى ، وأفكار حديثة ، تختلف كل الاختلاف عن المعايير القصصية والروائية ، التي كانت سائدة سابقاً . وشهدت الساحة الأدبية حراكاً حيوياً ، وصراعاً بين ” التقليد ” ، و ” الحداثة ” . ولم يكن منطلق هذا الصراع من زاوية القضايا الكبرى ، والعقد الاجتماعية ، أو المشكلات المصيرية التي تواجه اليابان في حقبتها آنذاك ؛ ” بل من زاوية المصائر الفردية ، وبصرف النظر عن القضايا الكبرى ، في صلتها ـ أي المصائر الفردية ـ بالآخر بوصفه فرداً . فما تسعى الرواية ، رواية هؤلاء ، لاستكشافه هو الذات المتلبسة بصلتها بالآخر . الأفراد والأشياء ، وتفاصيل العالم الصغيرة أصبحت هي ما تستحق أن تكونه : أي الجواهر البسيطة لحياة تتسع لمصير واحد ، ولا تتسع للمصائر التراجيدية ، لا بل لا تدرك معنى البطل التراجيدي ” [۲] .
بدأت يوشيموتو محاولاتها الكتابية في وقت مبكّر جداً من حياتها . في سن الثامنة ، نشرت قصة قصيرة بعنوان ( الجسر الأحمر ) . ودخلت عالم الأدب حينما نشرت روايتها الأولى ، وهي في عمر الثالثة والعشرين . ” وتابعت مشوارها ، كاسرة نمطية الكتابة اليابانية المعتمدة على بطولة الماضي ، أو التاريخ ، أو الفكرة . فأبطالها أفراد أولاً وأخيراً . هي ليست مهتمة بصراعات العالم ، بل صراعات أبطالها الشخصية .
” بصرف النظر .. أريد الاستمرار في العيش ، مع الوعي بأني سوف أموت ، دون ذلك أنا لست على قيد الحياة ” [٣] .
كتاباتها ، هي صوت الشباب المناضل في اليابان ، تشير أوصافها التي تبدو بسيطة للأحلام ، أو لرائحة الطعام ، إلى معاني داخلية عميقة . ذكريات ، وعواطف ، وتجارب ، ومحن الحياة المعاصرة ؛ هي هذه خصائص يوشيموتو .
هي أحد الكتّاب الذين تسبّبوا في ” طفرة الرواية اليابانية الخفيفة ” ، التي بدأت في الانتشار منذ عقد الثمانينات ، والتسعينات في اليابان . تتميز بجمل مقتضبة ، سهلة وبسيطة ، يسهل قراءتها . وينتقدها البعض بقولهم ” هذه ليست رواية ” ، ولكنها لاقت رواجاً واسعاً بين الشباب ، ليس في اليابان وحدها ، بل في عموم العالم .
إذن السمة الغالبة في كتابات الجيل الياباني الجديد هي المَيل المعلن إلى الاقتضابية التي تجمع عناصر الرواية ، مكتملة ، في متوالية سردية لا تتجاوز صفحاتها المائة . وربما أكثر أو أقل ، على نحو محدود .
إن النص السردي ، الروائي ، المقتضب يدعى باللغة الفرنسية ( Roman ) ويدعى باللغة الإنجليزية ( Novel ) ،
يقابلها باللغة اليابانية مصطلح ( شـوسـيتسـو ) ، ويعني حرفياً ” الشيء الصغير ” ، أي النص السردي المقتضب . وهذا النص بحكم محدوديته ، يتحاشى الخوض في المواضيع ” الكبيرة ” ، أو الملحمية ؛ ويتبنّى ” السرد الذي يحاذي الخيط الفاصل بين الغفلة عن العيش ، وبين الانتباه إليه ، بوصفه مادة سردية تستحق أن تروى ، وتستحق أن تقال “[٤] .
ويبدو أن ( شـوسـيتسـو ) الذي لجأ إليه الكتّاب الشباب ، باعتباره القالب الأفضل لبناء رواياتهم الحديثة ، كان مستوحى من تجربة الكاتب الياباني الشهير آكوتاغاوا ريونسوكي في كتاباته القصصية ، والتي كان من أشهرها قصة ( راشومون ) .
وقد أغنت بنانا يوشيموتو هذا النوع من الكتابة ، بإنتاجها الروائي الغزير . والذي يوصف بأنه نمط من الكتابة الخفيفة ، التي تضع مشاعر الفرد في المقدمة ؛ وهي كتابة تختلف قليلاً عن الكتابة الفكرية ، والأيديولوجيا .
تقول بنانا : إن الكثير من الناس شعروا بالارتياح من خلال الكتابة التي تكشف الجانب المظلم ، في الزمن المظلم ، ولكن ما نحتاجه في عصرنا اليوم هو إراحة القرّاء ، مع الكشف عن الظلام الذي يمكن للناس أن يتعاملوا معه . ” مهمة الكاتب هي الكتابة للقرّاء المتعبين ، الذين يتأذون ، ويفقدون الأمل في الحياة ” .
على الرغم من أنها لم ترث من والدها أفكاره الثورية ، إلّا أن رواياتها ، وقصصها ، مترعة بالرغبة والطموح إلى التغيير .
◘ ◘ ◘
عقب تخرج بنانا يوشيموتو من الكلية ، ذهبت لتعمل كنادلة في حدائق ( غولف ) ، وأثناء عملها كتبت روايتها ( مطبخ ) ، التي نُشِرَت عام ۱٩٨٨م ، وفي السنة التالية ظهرت ترجمتها في الصين . وفي عام ۱٩٨٩م ، صدرت روايتها الشهيرة أيضاً
( وداعاً تسوجومي ) ، وقد ظهرت ترجمتها في كوريا الجنوبية ، في وقت قصير لاحق.
وسرعان ما انتشرت سمعتها في إنجلترا ، وإيطاليا ، والولايات المتحدة ، ومن ثم في الكثير من بلدان العالم . ثمة ملاحظة لا يفوتني الإشارة إليها ، فعند تتبع دراسة الباحثين لأدب بنانا يوشيموتو ، لاحظت قيام العديد منهم بذكر أسماء الدول التي تُرجمت إلى لغاتها أعمال هذه الكاتبة ، بما في ذلك إسرائيل ، وتجاهلهم تماماً ذكر البلاد العربية ، التي شهدت ترجمة ثلاثة كتب لها ، لغاية هذا الوقت . وهذه الكتب المترجمة هي :
۱ ـ ( المطبخ وخيالات ضوء القمر ) ، ترجمة بسام الحجار ، سلسلة إبداعات الكويتية .
۲ ـ ( وداعاً تسوجومي ) ، ترجمة أحمد فتحي ، دار ميريت المصرية .
٣ ـ ( العظاءة ) ، ترجمة غادة جاويش ، الهيئة السورية للكتاب .
وبينما انتشر اسمها ، واصلت يوشيموتو الكتابة ، وإنتاج الروايات :
۱٩٩۰م ، ( أمريتا ) ۱٩٩٤م ، ( حظ سيء ) ۱٩٩٩م . وتوالت كتاباتها بعد ( N . P )
ذلك بصورة مطردة . لم تكن الجاذبية الهائلة لأعمال يوشيموتو واضحة دائماً للنقّاد ، في اللغة الانجليزية ، الذين وصف بعضهم قراءة أعمالها المترجمة ، ولغير المعتادين على الثقافة اليابانية ” أن كتاباتها سطحية ومبسّطة ، وشخصياتها لا تصدّق . ومع ذلك استمر معجبيها اليابانيين في الرد ، والدفاع عن العناصر الجديدة في كتاباتها . وعلى الرغم من أن شخصياتها ، وإعداداتها ، وعناوينها ، كانت حديثة ، ومتأثّرة بالثقافة الأمريكية ، إلّا أنها كانت يابانية في جوهرها ، بشكل لا لبس فيه “[٥] .
إن الانتقادات التي توجّه إلى كتاباتها ، باتهامها بالسطحية ، وأنها أعمالاً تجارية ، وغير فكرية ؛ لم تقلّل من إعجاب قرّائها الكُثر ، الذين يعتقدون أنها تجسّد تماماً ما تعنيه أن تكون شاباً ومحبطاً في اليابان الحديثة . “وفي هذا الصدد ، تحدّد يوشيموتو المحورين الذين تدور حولهما كتاباتها ، وهما :
۱ ـ إرهاق الشباب في اليابان المعاصرة .
۲ ـ الطريقة التي تشكّل بها التجارب الرهيبة حياة الإنسان .
يمكن أن تكون رواياتها ممتعة ، وتهرب من الواقع ، لكنها دائماً ما تتأثّر بالواقع الياباني التقليدي . يمكن أن تكون كتاباتها خارقة ومؤثرة في آنٍ ، على الرغم من أن النقّاد يعتقدون أنها ” خفيفة الوزن “[٦] .
أسلوبها في الكتابة غالباً ما يدور حول نضال الشباب في الحياة ، خصوصاً في سن المراهقة . أو القضايا الوجودية العصرية التي يواجهونها ؛ والفجوات بين الخيال والواقع . كما أنك ستجد الطعام ، والأحلام يسيطران على معظم كتاباتها ، والتي يمكن أن تستند إلى الحياة الشخصية للكاتب . وهي حين تكتب عن مشاكل الشباب ، والوجودية الحضرية نشاهد أن العديد من شخصياتها محاصرون بين الخيال والواقع ، لكنهم في النهاية ، مرتبطون بالحياة ، ويكادون يجدون المعنى ، والشجاعة للعيش . من خلال أعمالها ، يتم إلهام القرّاء للتغلب على الصعوبات اليومية ، والصراعات العاطفية ، ومن ثم الاعتراف بها بأنها كاتبة مستبشرة ، تجلب الإيجابية ، والحب ، والدفء لقرّائها . واستشهد البعض بالحساسية الجمالية ، اليابانية ، التقليدية المعروفة جيداً باسم :
، والتي تترجم عادة على أنها ( حساسية تجاه الأشياء ) Mono No Aware باعتبارها تشكّل جوهر أسلوبها .
اسمحوا لي أن أوضح ، هنا ، حقيقة هذا المفهوم ، لما له من تأثير كبير ، ليس في أدب يوشيموتو وحسب ، بل في مجمل الأدب الياباني الحديث . فمصطلح الحساسية اليابانية تجاه الأشياء ، مصطلح قديم ، يعود إلى فترة هييان ؛ ولكن تم إحياءه في العصر الحديث ، وأخيراً بات محورياً في التقاليد الثقافية اليابانية . ” وحرفياً يشير معنى هذا المصطلح إلى ” رثاء الأشياء ” ، وترجمته أيضاً ” تعاطف تجاه الأشياء ” ، أو ” حساسية تجاه الأشياء الزائلة ” . هو مصطلح ياباني لإدراك الثبات ، أو زوال الأشياء ، وكلاهما حزن لطيف عابر ، أو حزن على رحيل الأشياء ، بالإضافة إلى حزن لطيف ، أطول ، وأعمق حول كون هذه الحالة هي حقيقة الحياة . لا يمكن لأي شيء أن يدوم ، وجمال الطبيعة سريع الزوال “[۷] .
إن روعة الجمال يكمن في هذه الحقيقة .
تبحث في كتاباتها عن وسائل للراحة المتواضعة ، وحماية النفس من الظلام الدائم . وتتناول مواضيع الوحدة ، الحنين إلى الماضي ، والحزن والحنان ، أيتام تطاردهم أشباح آبائهم . وتأخذ الأسرة كموضوع رئيسي ، حيث كتبت عن قوة البيت والأسرة . رواياتها مليئة بشخصيات قوى خارقة ، مستوحاة من أشخاص تدّعي أنها قابلتهم في الحياة الحقيقية . إنها تجمع أفكارها من الأحلام . ومن خلال كتاباتها يتم إلهام القرّاء للتغلب على الصعوبات اليومية ، والصراعات العاطفية .
اهتمامها الحقيقي هو اهتمام نفسي ، يتعيّن على الشخصيات تحمّل المصاعب والمعاناة ، ومع ذلك هناك عناصر إيجابية ، مثل البحث عن هوية الفرد مع النمو الشخصي .
غالباً ما يكون أبطالها هم عبارة عن فتيات شابّات ، يكتشفن العالم من حولهن ، من خلال التجارب العاطفية ، حيث تستند الرومانسية على الألفة والتفاهم .
من المدهش أن أحد التأثيرات الرئيسية في أسلوب يوشيموتو هو ستيفن كينج . لقد أعربت عن تأثير كتاباته غير المرعبة في حياتها ، وكيف أثّرت على أسلوبها في الكتابة ، وتشمل التأثيرات الأخرى الكاتب الأمريكي ترومان كابوتي ، والكاتب أسحق باسيفيش سنجر .
أغلب كتبها شاعرية ، حالمة ، وغريبة . تحتوي على الموضوعات الأساسية للكون ، التي يتردّد صداها في جميع رواياتها : الموت ، والفقدان ، والوحدة ، والهشاشة العاطفية . حالة فقدان شخص قريب ، وعزيز ، هي حالة تتكرّر في العديد من أعمالها ، إلى جانب تصوير شخصيات متحوّلة جنسياً . إن وجهات نظرها الخاصة تجاه الحياة والموت ، إلى جانب أسلوبها الفريد في الكتابة ، جعلت اسمها معروفاً في أنحاء العالم .
تتميّز بالتحليلات النفسية الدقيقة لشخصياتها ، ودائماً تترك مجالاً للقارئ لتشكيل تفسيره الخاص .
شكّلت بنانا مع رهطها ، موجة أدب الحداثة ، وما بعد الحداثة ، وتعد اليوم من أشهر الروائيين ما بعد الحداثة في اليابان . يوصف أدبها بأنه أدب متعدد الثقافات ، أو عابر للثقافات ، ذلك لأنه أدب يعترف ، ويتقبّل ، ويؤكّد الاختلافات ، والتشابهات البشرية ، المتعلّقة بالجنس ، والعرق ، والدين ، والمذهب ، والإعاقة ، والطبقة … الخ ، وهذا أحد الأسباب التي تضع أدبها في خانة ما بعد الحداثة .
قصصها مثل الحلم .. حلم قطني حزين ، لربما يذكّرنا بالحزن والجمال اليابانيين ، الذين يشكلان هاجس الكتابة عند ياسوناري كواباتا .
كثيراً ما يتم الإشادة بطريقتها الدقيقة ، واللطيفة ، والشاعرية في رسم العلاقة بين الشخصيات ، وفي علاقتهم مع الأشياء .
كان هاجس بنانا في الكتابة ، وفلسفتها تتمثّل بقولها :
” إذا كان بإمكانك نقل نفس المشاعر ، مثل مشاهدة فيلم ، أو سماع أغنية جيدة ، من خلال رواية ، فهذا أدب جيد ” .
بنانا يمكن أن تمثّل الأدب الياباني الراهن . لغتها ناعمة ، وتستخدم جملاً بسيطة ، شديدة الوضوح ، بالإضافة إلى اهتماماتها الروحانية اليابانية الأصل .
” إذا أعطانا أي خلاص في حياتنا ، فهذا هو أفضل أدب ” .
وهي تجسد الأذواق الثقافية لجيل الشباب في عصرنا ، مثل الأفلام ، والرسوم المتحركة ، وأغاني البوب ، والمسلسلات التلفزيونية ، وذكر الممثلين والممثلات …
تتحدّث الكاتبة عن الجراح التي تأتي من الفقد ، والحرمان ، وعن الحب الدافئ الذي يتغلّب على ألم تلك الجروح ” أنا أتواصل باستمرار مع قرّاء هذا العصر ، الذين يحتاجون إلى الراحة ، لتوضيح الأمر بشكل أكثر سهولة ” . تتحدّث المطبوعات التي أنتجتها بنانا عن قلوبنا . إنها تنقل همساً هادئاً للقرّاء الذين يفتحون كتبها بواحد أو أكثر من همومهم ، وهم يدركون أي أمل في الخلاص تحملها لهم تلك الكتب . هذا ما يفسّر قولها ذاك ” إذا أعطانا أي خلاص في حياتنا ، فهذا أدب جيد ” .
إن انتشار ظاهرة الرواية ” شـوسـيتسـو ” المقتضبة ، في العصر الحالي ، جعل بعض النقّاد في اليابان ، يصفونها بأنها روايات ترفيهية ، بعيدة عن الأدب الجاد في الشكل والمضمون . ولكن يوشيموتو تردّ على مثل هذه الدعاوى بالقول :
” أريد أن يقرأ قرّائي رواياتي للترفيه ، الترفيه ليس اعتراضاً على الأدب الجيد ” .
” أنا أقدّر إحساس الإيقاع الأسلوبي ، أهتم أكثر ببنية الكلمات ، أنا لا أحاول أن أكتب كلمات جميلة ، إنني أهتم بترابط الكلمات . وتذكر أيضاً بأن كتابة الروايات ليس عملاً ممتعاً بشكل خاص ، ولكنها لا تعتقد بأن أي شيء آخر ، غير الروايات ، يمكن أن يثير الاهتمام . وأكّدت بأنها ترغب فقط في كتابة الأعمال التي تتفاعل معها .
جدير بالذكر أن نسبة عالية جداً من قرّاء بنانا هم من الإناث ، ولها تأثير فعّال على الروائيات اليابانيات ، والكوريات بشكل خاص .
تلقّت يوشيموتو انتقادات كونها كاتبة سطحية وجذّابة ، نتاج رأسمالية فارغة . ولكن كتاباتها تُعد مهمة لأنها تمثّل خروجاً عن الأدب الياباني التقليدي ، وهذه الكتابات تُعد مثال على ما بعد الحداثة في اليابان ؛ بمعنى أنها تأثّرت في تطورها ككاتبة بمصادر فنية جديدة مثل : المانجا ، والأنمي ( كارتون ياباني ) ، واستخدمت لغة وتقنيات أدبية منهما في كثير من الأحيان .
) ،Kawii وقد احتضنت يوشيموتو عناصر ثقافة ما يُسمّى في اليابان بمفهوم (
أي مفهوم ( الجمال ، واللطف ، والرفاهية ، والمظهر الخارجي ) في كتاباتها ، وهي سمة مميزة لأسلوب ما بعد الحداثة “[٨] .
هذا يعني أن أدب يوشيموتو ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالثقافة الشعبية اليابانية ، الغنية في مصادرها . وقد كانت ، بسبب هذا الارتباط ، عرضة لسهام النقد ، الذي بلغ حدّاً أن اعتبر هذا الأدب لا يستحق الوجود .
أبدت يوشيموتو اهتماماً بالشفاء ، البحث من أجل المعنى الروحي ، وإعادة الاتصال بالطبيعة ، له أهمية إضافية ؛ في الوقت الذي يكون فيه التحضّر مصحوباً بتفكّك المجتمع ، والهياكل الأسرية . وبشكل عام ، تقف كتاباتها في قلب النقاش حول القيمة التي نضعها على الكتابة .
في الأدب ، وبين الأوساط الأدبية ، طالما احتدم النقاش عن الفرق بين القراءة كوسيلة للهروب من هذا العالم ، والقراءة كوسيلة للتواصل مع العالم . وبالتأكيد يعود مصدر الاختلاف هذا إلى تباين نظرة المدارس الفكرية ، والمرجعيات في تحديد مفهوم الأدب والفن ، ودورهما في مجمل الحياة . ولكن في محاضرة شيّقة بعنوان ( الأدب Maureen . O’Connor كمرآة ـ الأدب كمعالج ) ، تحدّثت بإسهاب عن أدب بنانا يوشيموتو ، ودوره في إحاطة عقولنا بما يحدث في المجتمع وما يجري داخلنا ؛ فشرعت الباحثة تقول : ” إن بنانا يوشيموتو تساعد الجميع على مراجعة مفهوم الأدب ، ليس فقط لكي يصبحوا قرّاء وكتّاب أفضل ، ولكن أيضاً لاستخدام الأدب كوسيلة للفهم والشفاء . سوف يقوم القرّاء بالتعرّف على الشخصيات في المواقف التي تتعلّق بحياتهم الخاصة . من خلال استجواب وتحليل هذه الشخصيات ، والطريقة التي تحقّق بها الشخصيات الشفاء ؛ سوف يفهم القرّاء أنفسهم بشكل أفضل أثناء تطوير تقدير أعمق ، وتسامح للآخرين ؛ وبالتالي فإن هدف الموضوع ذو شقين ـ
إدراك الأدب أولاً باعتباره مرآة تنفّس وتفكير نعكس من خلالها رؤى حول أنفسنا ،
وثانياً كوسيلة للشفاء “[٩] .
اهتمام يوشيموتو بالشفاء الروحي ملحوظ في كتاباتها ، بحكم معاصرتها للظروف الاجتماعية والاقتصادية ، بشكل خاص ، التي مرّت بها البلاد . ففي أوائل التسعينات انهارت الفقاعة الاقتصادية ، وفتحت الباب أمام ركود طويل الأمد . وقد أدى الركود الاقتصادي إلى نشوء شعور بالقلق ، خاصة بين الشباب . وبناءً عليه سعى هؤلاء الشباب إلى الشفاء ، وتمت اهتمامات الناس بالشفاء الروحي .
ومن هذا المنطلق ، تركّز الباحثة على قصص وروايات يوشيموتو ، لأن أغلب شخصياتها القصصية تواجه المشاكل اليومية المألوفة عند الناس . في قصصها ، وفي سياق شخصياتها ، تتناول الكاتبة أسئلة عديدة حول الدين ، والتسامح ، وعدم اليقين ، وعدم الاستقرار ، والوحدة ، والمصير . حيث تتناول في كل قصة من قصصها معاناة محدّدة ، يجد البطل مخرج الشفاء منها . حيث تعتقد يوشيموتو أن الشفاء يأتي من الأمل ، والذي يحوّل الشخصيات ويجبرهم على تغيير حياتهم . تقول بنانا يوشيموتو : ” أعتقد أننا لم نولد بالأمل ، بل نولد بالأمل كقوة تحويل . الناس في قصصي يواجهون الأمل لأول مرّة ، تبدأ عملية الاكتشاف عادة عندما يلاحظون شيئاً عن أنفسهم أو محيطهم لم يكونوا على دراية به من قبل ، أو يختبرون شعوراً منسياً . هذا النوع من اليقظة يجبرهم على التصرف وتغيير الأشياء “[۱۰] .
” وتؤكد الناقدة بيزيت جيبهارت أن رواية ( أمريتا ) أول رواية كاملة لبنانا تركّز على موضوع الروحانية ، وهي ” تركيز الموضوعات الباطنية والتنجيم ” ، ونظراً لاهتمامها الكبير بموضوع الروحانية لا يمكن اعتبار أعمالها روايات خيالية فنية ، بل منتجات تعاليم العصر الجديد الشعبية “[۱۱] ، أو أنها منتجات فنية للخيال الياباني ، أو لما بعد الحداثة الساحرة .
” هناك توتر إبداعي في قلب كتابة يوشيموتو ؛ إصرارها على استخدام لغة المحادثة الخاصة بها مع أقرانها بدلاً من اللغة التقليدية ( الأدب النقي ) تُمكّنها في بحثها عن المعنى الروحي والشفاء . حيث نرى أن لجوئها إلى مثل هذه اللغة لا يقلّل من قيمة البحث عن المعنى الروحي في كتاباتها ، كما أنه لا يقلّل من أهمية البحث عن المعنى الذي يصوّر خلال فترة اجتماعية مهمة الاضطرابات ، وخاصة بالنسبة للشابات اليابانيات “[۱۲] .
” الحنين إلى الماضي ” هو مفتاح شائع لتفسير الكثير من الروايات التي كتبتها بنانا يوشيموتو ، إذ تصبح الرغبة في إعادة الحياة من الدوافع الأساسية . حيث يكون الحنين حلّاً للإحساس بالفراغ والعزلة المنسوبة إلى الحياة الحديثة . فجوة يمكن سدّها بالذاكرة والتذكّر ، كتمثيل لشيء ذهب .إن الأمر يبدو في مثل هذا النوع من الكتابات بمثابة تحفيز للقرّاء بالتعاطف مع شخصياتها ، ومشاركتهم ذات الشعور بالحنين إلى الماضي ، في محاولة من المؤلفة لتشجيع القرّاء على مواصلة البحث عن الذات المفقودة في الماضي ، حتى لا يخون المرء هويته . ولكن هذا الحنين المشدود إلى الماضي لا يُفقد الإنسان إيمانه بالمستقبل .
وفي تقدير أحد النقّاد ، ” أن سبب شهرة رواية ( المطبخ ) يرجع إلى مشاعر الحنين ، الذي يلم بالقارئات ، الشابّات ، أثناء قراءة الرواية ” [۱٣] .
◘ ◘ ◘
روايــــــة ( مطبـخ ) :
( مطبخ ) ، هي الرواية التي جعلت بنانا يوشيموتو تعتبر واحدة من أكثر الكتّاب احتراماً في اليابان ، وحازت بسببها شهرة محلّية ، وعالمية ؛ ونالت استحسان النقّاد والجمهور على حدّ سواء . نُشِرَت عام ۱٩٨٨م ، وحصلت على أحد الجوائز الأدبية حال نشرها . وبعد مضي وقت ليس بالطويل ، أصبحت من أكثر الكتب مبيعاً ، ولحد الآن بيع منها أكثر من عشرين مليون نسخة .
صرّح أحد الأدباء قائلاً : ” هذا عمل ليس مكتوباً على عرش ، إنه نتاج هجر غير مبالٍ تماماً بالتقاليد الأدبية . أن رفضها الساذج لمسألة ما إذا كانت تتوافق أو لا تتوافق مع المفاهيم التقليدية هو بالضبط ما يجعلها تصدمني “[۱٤] . كنوع جديد من الأدب ، صدرت الرواية بعنوان مستعار من اللغة الإنجليزية ( kitchen ) الذي يشير إلى معنى مطبخ ، بدلاً من
( Daidokoro ) المصطلح الياباني .
تحدّثت المؤلفة عن معاصريها ، وطالما فعلت ذلك في رواياتها وقصصها الأخرى .
” سُئلت يوشيموتو عن شخصياتها ، التي تكتب عنها ، وهي في العشرينات من أعمارها ، عمّا إذا كان ذلك بسبب فهمها لهم لأنهم في نفس عمرها . ردّت يوشيموتو بأنها تستطيع الكتابة فقط عن الأشياء التي مرّت بها ؛ لقد حاولت الكتابة عن شخصيات في الخمسين من العمر ولكن النتائج لم تكن مقنعة للغاية “[۱٥] .
( مطبخ ) تجمع بين الموضوعات اليابانية التقليدية ، والتأثيرات الليبرالية ، والأمريكية المعاصرة ، مع العناصر النموذجية لرسوم المانجا ، والظواهر النفسية ، وليس مستغرباً العثور على إشارات في الرواية عن شخصية الأم المتحوّلة جنسياً .
تقول الحكمة : ” أن الجملة الأولى من الرواية يجب أن تلخّص جوهر العمل الذي يتبعها ” . ومن ثم وضعه على الطاولة . قد لا يكون من الواضح كيف ترتبط هذه الجملة بالعمل التالي ، وبالطبع من المحتمل أن ينسى القاريء ذلك في رحلة القراءة ، ولكن الجملة الأولى مهما كانت مهمة يجب أن تربط القطعة بأكملها ، بعضها ببعض بطريقة ما ، وهذا بالضبط ما تفعله يوشيموتو في رواياتها .
” أحسب أنني أحب المطابخ أكثر من أي مكان في العالم .
ليس مهماً عندي أين تقع أو حالتها ، ولكن المهم أن تكون أماكن لإعداد وجبات الطعام ، فلا أشعر بالتعاسة فيها . وأود أن أمكن ذلك ، أن تكون عملية وملمّعة من كثرة الاستعمال . فيها أكوام من الفوط النظيفة ، الجافة ، وذات بلاط ناصع البياض .
غير أن مطبخاً شديد القذارة ليعجبني أيضاً ، سواء بسواء . هذا المكان الذي تغطّي أرضيته قشور الخضار ، والذي يصبغ فيه الوسخ النعال بالسواد ، أراه شاسعاً إلى أبعد الحدود .
ثلاّجة ضخمة تنتصب في إحدى جنباته مليئة بالمؤن الكافية لتمضية فصل الشتاء دون مشقّة ، وأسند ظهري إلى بابها المنكّل . أحياناً أرفع ناظريّ ساهية عن موقد الطبخ الملطّخ بالشحم ، أو عن السكاكين الصدئة ، وإذا في الجانب الآخر من زجاج النافذة تبرق النجوم حزينة .
يبقى المطبخ وأنا . إذ يبدو لي أن في هذه الخاطرة من السلوان ما يفوق اعترافي لذاتي بأنني وحيدة .
حين أكون مرهقة تماماً أفكّر ، بشيء من الابتهاج ، أنني عندما تحين ساعتي أود أن ألفظ أنفاسي الأخيرة في مطبخي “[۱٦] .
كيف يمكن أن يتوازى الطهي ، ووجبات الطعام بل ويؤثران في كثير من الأحيان على المشاعر والعلاقات . نظراً لأن معظم شخصياتها ، في رواية ( مطبخ ) تواجه تحديات شديدة في حياتها فإنهم يبحثون عنها ، ويكشفونها في النهاية . ضمن مفهومها للفردانية لا تدعم يوشيموتو الراديكالية ، تقف شخصياتها الأنثوية بمفردها وتجد طريقها في الحياة .
( مطبخ ) هي رواية عن التعامل مع فقد الأحبّاء ، وتناقش مواضيع الفرح والسعادة ، بالنسبة لبطلة الرواية كان المطبخ انعكاساً لنفسها ، هو مكان تستطيع فيه التعبير عن مشاعرها ، والاختباء من المدينة الحضرية المزدحمة .
” إن أهم نقطة ارتكاز في الرواية هي تقدير المطابخ . وفي واحد من أكثر المقاطع المؤثرة في الرواية هو أن صوت الناس في المطبخ هو الذي يعيد ميكاج من حالة اليأس إلى عالم مليء بالإمكانات لمستقبل مفعم بالسعادة ” [۱۷] .
عندما تدخل إلى المطبخ ، غالباً ما يكون هناك شعور مباشر بالاتصال ، إنه موقع النشاط الجماعي ، والعمل الجماعي . إن الشعور بالاتصال والراحة الذي يقدّمه المكان ، حتى لو كان هذا المكان غير مهم للآخرين ، لا يقدّر بثمن في عالم تكون فيه تجربة ترك الأشياء خلف الظهور ، وعدم الاهتمام بها أمراً شائعاً بين الناس .
تدور الرواية حول الفتاة ميكاج ، التي تركت الدراسة في الكلية ، والتي تتعافى في النهاية من فقدان جدتها ، وهي آخر أقاربها بالدم ، التي كانت تعيش برفقتها . وفي بداية القصة ماتت جدتها ، ونظراً لكونها يتيمة تصبح بطلة الرواية مكتئبة جداً لدرجة أن كل ما يمكنها فعله هو النوم بجانب الثلّاجة في مطبخها .
بعد جنازة الجدة ،حاول فتى جامعي هو ييتشي تانابي الذي كان يعمل في محل لبيع الزهور ، بدوام جزئي ، وقد كانت الجدة إحدى زبائنه ؛ ويقوم بزيارتها على الدوام ،
حاول دعوة ميكاج للعيش في منزله ، حيث يعيش مع والدته إيريكو ، المتحولة جنسياً .
وتقبل ميكاج دعوته ، وتذهب للعيش معهما .
في بداية ( اكتمال القمر ) ، تموت والدة ييتشي ؛ فيجد هذا الأخير نفسه مضطراً إلى الخروج من المنزل بضعة أيام ـ في تقليد شائع في اليابان من تقاليد التطهر بعد موت الأقرباء ـ فيغادر إلى نزل في منطقة إيسيهارا ، وهناك يغلق على نفسه . وكانت ميكاج تعمل آنئذٍ كمساعد طباخ ، في مدرسة طبخ مرموقة . وأثناء وجود ييتشي في إيسيهارا
تذهب ميكاج لتناول العشاء بمفردها ، وتأكل ( كاتسودون ) ، وبمجرد أن تتناول لقمة من ( كاتسودون ) تشعر بصورة حدسية بالحاجة إلى ييتشي ، لتناول هذا الطعام . والذي تعتقد أنه سينشطه ويخرجه من حالة التطهر . وبالفعل تقصده إلى مكانه ، حاملة له هذا الطعام . وبعد تناول الطعام ينتعش ييتشي ، ويعود برفقة ميكاج إلى شقتهما في طوكيو ، ليعيشا معاً كعائلة واحدة ، حيث أن تناول تلك الوجبة جعلتهما يقتربان من بعضهما البعض ، نفسياً وجسدياً .
تبدو هذه الرواية الجذّابة أشبه بالحكايات الشعبية ، ” حيث يشير الناقد الياباني الشهير
أوتسوكا إيجي ( مواليد ۱٩٥٤م ) إلى أن قصص يوشيموتو أقرب إلى أن تكون حكايات شعبية ، حيث تمر البطلة الشابة بتجربة قاسية ، وفي النهاية تتوصّل إلى النجاح وبلوغ سن الرشد . وهذه النهايات غالباً ما تجذب عدداً كبيراً من القارئات الشابّات “[۱٨] .
حيث يستنتج أوتسوكا إلى أن قصص يوشيموتو هي حكايات شعبية للفتيات ، كما يشير إلى أنها تقليد لروايات الفتيات الغربيات . ليس هذا وحسب ، بل أن هناك نقّاد يابانيون آخرون يشيرون إلى مثل هذا الرأي ؛ ويصفون رواياتها بأنها ” شوجو مينوا ” أو ما يعني ” فلكلور الفتاة ” . وهي قصص شعبية تتغلب فيها الفتيات على العقبات ، حتى تبلغ سن الرشد ، ويرى أوتسوكا بأن قصص يوشيموتو تتخذ شكلاً من أشكال الحكايات الفلكلورية اليابانية ، حيث توجد رحلات متكرّرة لبطلة شابة بين المنزل ووجهة بعيدة عنه ، لا سيّما في أعمالها الأولى .
ومع ذلك ليس جميع بطلات يوشيموتو فتيات صغيرات ، بعض شخصياتها في العشرينات من العمر ، أو أكثر ، والبعض خريجات جامعات ، والبعض منهن متزوجات ، حيث تعلّل يوشيموتو ذلك مؤكدة أنها نضجت ، وكذلك شخصياتها .
إن تأثير الثقافة الشعبية على كتابات يوشيموتو مكّنها من الخروج على الأعراف الأدبية والاجتماعية القائمة ، ونقل أدبها إلى حداثية أكبر ـ ما بعد الحداثة . ومع ظهور أدبها وانتشاره تم إيلاء قدراً كبيراً من الاهتمام النقدي لكتابات المرأة المعاصرة في اليابان ، التي احتلت مكاناً راقياً لا يختلف عن مكانة الكتّاب الكبار .
” التدفق في الحياة إلى ما لا نهاية ” ، هذه الثيمة التي يجلجل صداها في كل صفحات كتب يوشيموتو ، حيث يضوع نشر الأمل في قلوب شخوصها الشبّان ؛ ليس غريباً بأن نلاقيها منعكسة على حياتها هي أيضاً . إن هذا التدفق ، في تقديري ، هو من أكسبها حيوية المثابرة على الكتابة ، والإنتاج الغزير . إذ بلغ مجمل إنتاجها لغاية هذا الوقت أكثر من خمسين رواية ، ومجموعة قصصية ، وحصيلة لا بأس بها من الكتب النقدية ، وهي ما زالت تواصل الكتابة والنشر ، حيث تتنافس مع الكبير هوراكي موراكامي على تسيّد المشهد الأدبي في اليابان .
المراجــــع :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[۱] : Cassie Wong , Banana Yoshimoto Improbable literary journey from Walters to writer , Culture Trip.com . 26.December. 2016 .
[۲] : ( مطبخ ـ خيالات ضوء القمر ) ، بنانا يوشيموتو ، ترجمة بسام حجار ، إبداعات عالمية ، العدد ٣٣۰ ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ، ۲۰۰۱م ،
ص۱۰ .
[٣] : بنانا يوشيموتو : ( الكاتبة التي عشقت زهرة الموز ) ، ضحى صلاح ، تقرير نشر بتاريخ ۲٩ / ۱۱ / ۲۰۱۷، موقع نون بوست الإلكتروني .
[٤] : ( مطبخ ـ خيالات ضوء القمر ) ، بنانا يوشيموتو ، ترجمة بسام حجار ، إبداعات عالمية ، العدد ٣٣۰ ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ، ۲۰۰۱م ،
ص۱۱ .
[٥] : Katkleen Kuiper , Banana Yoshimoto Japanese writer , Britannica.com .
[٦] : Veronica Depieri , Nostalgia as a means to overcome trauma : The case of Yoshimoto Banana’s ‘ Sweet Hereafter ‘Cejsh.icm.pl .
[۷] : Wikipedia , The Free Encyclopedia , Mono No Aware .
[٨] : PH.D Thesis Martin Ramsay ,Single Frame Heroics : New ways of being in the fiction of Yoshimoto Banana , Swinburne university of Technology , 2009 , p9 .
[٩] : Maureen . O’Connor , Lee high school , Literature as mirror , Literature as healer , O. Connor- 03-lit-Balm .pdfs.uh.edu .p1.
[۱۰] : المصدر السابق نفسه ، ص۲
[۱۱] : Yoko Ogawa A Dissertation , Healing literatures by contemporary Japanese female , submitted to the faculty of purdue university .
[۱۲] : PH.D Thesis Martin Ramsay ,Single Frame Heroics : New ways of being in the fiction of Yoshimoto Banana , Swinburne university of Technology , 2009 , p27
[۱٣] : Yoko Ogawa A Dissertation , Healing literatures by contemporary Japanese female , submitted to the faculty of purdue university , p17 .
[۱٤] : Lit Charts com , Kitchen , by Banana Yoshimoto .
[۱٥] : PH.D Thesis Martin Ramsay ,Single Frame Heroics : New ways of being in the fiction of Yoshimoto Banana , Swinburne university of Technology , 2009 , p17
[۱٦] : ( مطبخ ـ خيالات ضوء القمر ) ، بنانا يوشيموتو ، ترجمة بسام حجار ، إبداعات عالمية ، العدد ٣٣۰ ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ، ۲۰۰۱م ، ص۱٩ .
[۱۷] : The Book Habit , Review : Kitchen by Banana Yoshimoto , October.12.2018 .
[۱٨] : Yoko Ogawa A Dissertation , Healing literatures by contemporary Japanese female , submitted to the faculty of purdue university , p19 .