الساموراي والمثلية الجنسية

الساموراي والمثلية الجنسية

محمود يعقوب .

( أكثر المحاربين بسالة قد ينقلب إلى بهيمة من الأنعام ) .

   الساموراي ، هم الرجال العسكريون ، النبلاء ، الذين عاشوا في العصور الوسطى لليابان . أسياد السيف والقوس ، وفرسان اليابان ، ونخبة المحاربين ، الذين أمسكوا بزمام السلطة ، وأثاروا دهشة الناس بمهاراتهم القتالية ، التي نافسوا بها خصومهم لأكثر من ٧٠٠ عام .

   ويُشتَق لفظ   الساموراي من كلمة ” سابوراو ” في اللغة اليابانية ، التي تعني الخدمة أو الشخص الذي يخدم . وقد بدأوا بالظهور في اليابان ، وتَرْك بصمتهم في بداية القرن الثاني عشر الميلادي ( ١١٠١ ـ ١٢٠٠ م ) ، وأحدثوا تأثيراً في الشعب الياباني عبر تقاليدهم وأفكارهم ؛ حيث يمكن رؤية دلالات ذلك حتى الآن في اليابان ، مع العلم أن نسبتهم لم تكن تتجاوز الـ ١٠٪ من إجمالي السكان اليابانيين في ذلك الوقت .

كان حكم اليابان آنذاك إقطاعيا ، وكانت البلاد مقسّمة إلى مناطق نفوذ عديدة ، ولكل حاكم إقطاعي جيش وأتباع من الساموراي النبلاء ، خاضوا الكثير من الحروب حتى نهاية الحكم الإقطاعي وحكم الساموراي ، وتوحيد اليابان ، بصورة رسمية ، في ظل حكومة مركزية واحدة عام ١٨٦٨ ، التي تُعرف بحقبة ميجي الإصلاحية .  

   يمارس الساموراي العديد من الطقوس المهمة ، ولديهم تقاليدهم الخاصة  ، كما أنهم يتحلّون بأنماط من العادات التي تميّزهم عن سواهم . وأهم تلك العادات المعروفة لأغلب الناس هي :  ( البوشيدو ) و ( السيبوكو ) .

   بالنسبة لأول تقليد وهو ( البوشيدو ) ، تعني الواجب ، أي واجب الساموراي خلال حياته كلها تجاه نفسه وقائده . وهو تقليد مهم لدى الساموراي ، ويعني أيضاً ، أن يطيع رئيسه أو قائده أو الإمبراطور بإخلاص حتى إن طلب منه إنهاء حياته مثلاً ! . في هذا الصدد ، نقول أن الكثيرين من الكتّاب والمؤرخين ، اختلفوا حول تفسير ( البوشيدو ) أو واجب الساموراي ، وهذا أمر نبتعد الآن عن الخوض فيه .

   أما بالنسبة إلى التقليد الثاني ، وهو ( السيبوكو ) ، فهي طريقة في إنهاء حياتهم ، وأداء طقوس الانتحار ؛ حيث يقوم الساموراي به عند الإحساس بالعار أو الفشل في أداء واجبه تجاه قائده ، ومهمته ، وعائلته .. الخ . ويمارس الانتحار عن طريق إقدام الساموراي على شق بطنه بسيف صغير من اليسار إلى اليمين وهو جاثياً على ركبتيه .

   في بداية الأمر ، أطلق لقب ( الساموراي ) على الحرس الإمبراطوري المقيم في العاصمة ( كيوتو ) أي الحرّاس المسؤولون عن أمن العائلة الإمبراطورية ، وكبار العائلات من النبلاء . ثم أخذت مجموعة الساموراي تشهد تحوّلات كبيرة مع الوقت ، حتى أصبحت طبقة اجتماعية متميّزة في اليابان .

   بدأت فكرة الساموراي الأوائل من كونهم نوّاباً عن السلطات المحلية والإقليمية ، التي أنشأت  منهم قوات خاصة للرقابة عُرِفت باسم ” فرق المحاربين ” . وقد تميّزت هذه الفرق بكونها أكثر التزاماً من ناحية التنظيم الأسري . وكان تشكيلها في البداية يستهدف شن حملة عسكرية واحدة ، أو مواجهة خطر محدّق ، ثم ما تلبث أن تُحلّ تلك الفُرق بعد ذلك . ويسمح للمحاربين بالعودة إلى مزاولة حياتهم .

   وبحلول القرن الحادي عشر الميلادي ، جرى تحويل تلك الفُرق إلى مجموعات من المقاتلين ، استخدمتها العشائر والنخب العسكرية في فرض هيمنتها على الأقاليم ؛ مستندة في ذلك إلى قدرات أولئك المحاربين على القتال ، الذين كانوا ملتزمين بطاعة الأمراء من خلال عهود الولاء ، أو التزامات تعاقدية أخرى ، مثل منحهم أراضي أو دخلاً محدّداً مقابل خدماتهم العسكرية .

ومع الوقت ، تحوّلوا إلى طبقة اجتماعية مهمة ، تجمع بين الروح القتالية ، والشجاعة والمروءة ، بالإضافة إلى اتساع دورهم بوصفهم طبقة مثقّفة تلقت التعليم الهولندي . وأصبحوا في عهد الإمبراطور إيدو مُعلمين لبقية الطبقات الاجتماعية الأخرى . ولم يقتصر دور الساموراي على كونهم طبقة اجتماعية وثقافية داخل المجتمع الياباني وحسب ، بل تعدّى ذلك إلى ممارسة الأدوار السياسية والعسكرية في اليابان منذ مدّة تقرب من ٧٠٠ عام . واستمرّ ذلك حتى ثورة الإمبراطور ميجي وبداية عهده الممّتد بين ( ١٨٦٨ ـ ١٩١٢ ) ، الذي ألغى امتيازاتهم بوصفهم طبقة اجتماعية انقسمت إلى مجموعتين . رفضت المجموعة الأولى الوضع الجديد وفضّلت مقاومته بالسلاح ، وأعلنت الثورة على الإمبراطور ميجي ، ولكن ثورتهم فشلت . وعلى الجانب الآخر ، تقبّلت المجموعة الثانية الأمر ، وأصبحوا من أهم رجال ثورة ميجي ، وقادوا اليابان الحديثة .

   وعلى الرغم من التطوّرات والتحوّلات الكبيرة التي طرأت على المجتمع الياباني ، يعتقد بعض المؤرخين أن ” روح الساموراي ” لا تزال بارزة في نظام اليابان وطابعها الخاص المميّز ، الذي تحوّل مع الوقت إلى نمط حياة ، كان ومازال سرّاً مهماً من أسرار تطوّر اليابان ونهضتها الأولى في عهد ميجي ، ونهضتها الثانية عقب الحرب العالمية الثانية .

   عرفت اليابان القديمة المثلية الجنسية وكل أشكال الشذوذ الجنسي ، كما يرد في الكثير من الدراسات والمقالات في هذا الصدد . المجتمع الياباني له تاريخ طويل ومعقّد في ممارسة الشذوذ الجنسي .

   عندما تسمع كلمة الساموراي ، لا يمكن أن يتبادر في ذهنك أمر له صلة بالمثلية الجنسية . يبدو لك أن ذلك بعيد عن الحقيقة . ولكن الحب بين أثنين من الساموراي ، لم يكن منتشراً على نطاق تاريخ اليابان فحسب ، بل تم تشجيعه أيضاً . إنه موضوع مثير للجدل للغاية ، وقد استكشفه عدد قليل من المؤرخين ، حيث أن هنالك أدلة كافية حول مثلية الساموراي .                                                                     ( نانشوكو ) ، تعني حرفياً ( ألوان الذكور ) ، وكلمة     shudo     هي اختصاراً من مصطلح

Wakashudo    ( طريق الشباب ) . وهذه المصطلحات تشير إلى الجنس الذكوري في اليابان القديمة ؛ حيث تأثّرت اليابان بنفس التقاليد الصينية . وقد بدأت هذه المصطلحات تظهر في الأدب القديم ، ولكن بشكل أكثر شيوعاً في القرن الحادي عشر .

   واحدة من أولى الإشارات القديمة إلى الأعمال الجنسية المثلية في الفنون الأدبية اليابانية ، هي في ( حكاية جينجي ) ، التي كُتِبَت في أوائل القرن الحادي عشر ؛ في أحد المشاهد تم رفض المرأة من قبل البطل الذي ينام مع شقيقها :

” جينجي سحب الصبي بجانبه ، إن الصبي أكثر جاذبية من أخته الباردة ” (1) .

   حكاية جينجي مجرد رواية ، ولكن هناك ، أيضاً ، العديد من اليوميات الأخرى من نفس الحقبة التي تحتوي على إشارات إلى الأفعال الجنسية المثلية . يذكر البعض منهم ، أيضاً ، أن الأباطرة كانوا ينخرطون في العلاقات الجنسية المثلية ، لذلك كان ( نانشوكو ) منتشراً بالتأكيد في جميع أنحاء المجتمع . وعلى الرغم من عاطفتهم تجاه نفس الجنس ر، غالباً ما يتزوّج الرجال اليابانيون من النساء . ولكن يمكن العثور على إشارات متعددة تشير إلى أن الاتصال الجنسي مع النساء كان يعتبر ” واجب ” أكثر منه ” متعة ” .

   في رواية  ” التاريخ السرّي لأمير موساشي ” ، للروائي الياباني جونتشيرو تانيزاكي ، استهلّ الروائي كتابته قائلاً :

” يُقال أن النبيل المحارب يوسوجي كينشين كان يهوى وصفاءه الشبّان . ويُقال كذلك إن فوكو شيما ماسانوري قد حذا حذو ( آي ) إمبراطور السهان ، الذي آثر تمزيق ردن ثوبه على إيقاظ الفتى الغافي إلى جواره ؛ وقد ازدادت نزعات ماسانوري وضوحاً مع كر الأعوام ، وأفضت إلى سقوطه ، في نهاية المطاف . وليس كينشين وماسانوري بالمثالين المعزولين ، إذ يمكن أن تروى حكايات غريبة عديدة حول الحياة الجنسية لرجال عرفهم التاريخ باعتبارهم من الأبطال الكماة ، وقد نشأت عاداتهم ومن بينها اللواط والسادية ، من طريقة حياة المحارب ، وليس من شأننا أن نمعن في استهجانها بمزيد من الضراوة ” (2) .  

العلاقة الجنسية بين رجل بالغ وصبي مراهق تمّ قبولها اجتماعياً وداخل مجتمع محاربي الساموراي ، وينظر إليها على أنها جزء طبيعي من الحياة .

   اتخذت العلاقة المثلية في مجتمع الساموراي طابعاً ” رسمياً ” ، بات مقبولاً لدى جميع الأطراف على ما يبدو . يقوم الشريك الأكبر سنّاً بتعليم صبيّاً صغير السن فنون القتال ، وفنون الدفاع عن النفس ، وآداب المحارب ، وجميع عادات الساموراي المتعارف عليها ؛ بينما يكون دور الصبي مساعدة سيده ، وخدمته ، بما في ذلك تقديم المتعة الجنسية له . واعتبرت هذه العلاقة مفيدة للطرفين ، وكان من المتوقع أن يكون الشريكان مخلصين لبعضهما البعض . وتستمر علاقتهم على هذا النحو حتى بلوغ الصبي ، حيث يُترك بعدها ليشق طريق حياته بمفرده . والكثير من هؤلاء الصبية تحوّلوا إلى ساموراي أيضاً .

ويتم توجيه الصبية ليكونوا مخلصين لشركائهم في هذه العلاقة ، وإذا حاول رجل آخر أن يضغط عليهم ويستدرجهم ، أو يدنيهم إليه ، كانت النصائح توجّه للصبية بعدم الاستسلام له ، وقطع رأسه إن اضطرهم الأمر لذلك .

   ويُشار إلى أن الساموراي كانوا يمثّلون طبقة مثقّفة . كانوا موهوبين في الرياضيات والخط والأدب والشعر ومهارات تنسيق الزهور وأشياء أخرى .

 بداية مبكّرة ، في فترة كاماكورا ( ١٢٠٠ م ) ، وبلغ ذروته في Wakashudo  ”  بدأت ملامح حدود العام  ( ١٦٠٣ م )  وهي فترة إيدو (إيدو جيداي) أو فترة توكوغاوا (توكوغاوا جيداي) ما بين ( ١٦٠٣ ـ  ١٨٦٧ )  في تاريخ اليابان ، عندما كانت اليابان تحت حكم توكوغاوا شوغون و ثلاثمائة  ديمو إقليمي في البلاد. ، تميزت فترة إيدو بالنمو الاقتصادي ، والنظام الاجتماعي الصارم ، والسياسات الخارجية الانعزالية ، والاستقرار السكاني ، والسلام الدائم ، والتمتع الشعبي بالفنون والثقافة . تم إنشاء الشوغون رسميًا في إيدو (طوكيو حاليًا) في ٢٤ مارس ١٦٠٣ م ، وهو نظام سياسي إقطاعي ” (2) . في هذا الفترة ازدهر الساموراي ، وبدأت العديد من تقاليده، وخاصة فنون الدفاع عن النفس ، مثل الجودو ، والكيدو ، والكندو ، يتم تبنيها من قبل بقية المجتمع ، وأصبح الـ نانشوكو يزداد شعبية بشكل متزايد خارج طبقة الساموراي أيضاً ، خاصة مع صعود قوة ونفوذ الطبقة التجارية التي تبنّت ممارسات المثليين في فترة إيدو ، وخلال هذا الوقت ، غالباً ما كان ممثلو مسرح الكابوكي المسافرين عبر الأقاليم اليابانية يعملون كعاهرات ذكور أيضاً .

 

 

                                                                                                * * *

   في الواقع ، لم تكن المثلية الجنسية التي اقترنت مع مجتمع الساموراي ، هي من اختراع هذا المجتمع ، بل أن جذورها أقدم بكثير من ذلك . حيث يُعتقد أن هذه العادة نشأت في عصر هييان

( ٧٩٤ م ـ ١١٨٥ م ) في الأديرة . وخلال ذلك الوقت كان من الطبيعي أن يكون للرهبان علاقات جنسية مع المساعدين الصغار ، المعروفين بالشيغو . حيث غالباً ما كانت العائلات ، من الطبقة العليا ، ترسل أولادها إلى المعابد ، إما لتلقي التدريب والتأهيل ، ليصبحوا رجال دين ، أو للحصول على تعليم ترديد الترانيم وحفظ الكتاب المقدّس ، وما إلى ذلك . ويعملون كمساعدين للرهبان في الوقت ذاته . غالباً ما يبدأ هؤلاء المساعدين تدريبهم في سن صغيرة جداً ، أو من ٩ ـ ١١ عاماً ، وفي الأعم يبدؤون علاقاتهم الجنسية مع الراهب فور بلوغهم سن المراهقة ( أي يصبحون جاهزين للأداء الجنسي ) .

   كان من الشائع تسمية الراهب ( النينجا ) ، والمساعد ( النابغ ) . ولكن بعد ذلك بدأوا يطلقون على أنفسهم الأخ الأكبر والأخ الأصغر . ووصفوا العلاقة بـ ( رابطة الأخوة ) ، حيث أقسم الزوجان الولاء لبعضهما البعض بشكل طقسي . وفي وقت لاحق قاموا بتوثيق علاقتهم بقسم مكتوب .

   كان الجماع بينهم ، في الغالب ، شرجياً . يبدو أن المساعدين تصرّفوا في كثير من الأحيان كبدائل للنساء ، اللواتي حُرّم عليهن دخول الأديرة للاعتقاد بأنهن نجسات .

   قام بعض الرهبان بإزالة حواجب مساعديهم ، الأمر الذي كانت النساء اليابانيات معتادات عليه في ذلك الوقت . كما كانوا يحثّونهم على وضع مساحيق التجميل على وجوههم ، وكذلك ارتداء الملابس النسائية ، على الرغم من أن الأولاد الصغار يبدون في مظاهرهم مشابهين للإناث أصلاً .

إلّا أنهم لم يكونوا مدرّبين على تقليد سلوك الإناث ، ولا يتحدّثون بطريقة أنثوية . علاوة على ذلك أنهم تدرّبوا على عزف الفلوت ، وبعض الفنون الأخرى ، التي تجعلهم مثيرين جنسياً في نظر الرهبان .

    في التقاليد اليهودية ، والمسيحية ، والمسلمة ، تُحظر المثلية الجنسية ،ولكن في اليابان حيث الترويج للمثل البوذية والكونفوشيوسية للإذعان والولاء والتفاني ، تم قبول العلاقات من نفس الجنس ، ومنذ فترة هييان ( ٧٩٤ ـ ١١٨٥ ) اشتهرت المعابد والأديرة البوذية العديدة في اليابان ، المكتظة بالذكور ، والتي كانت تلوح معزولة عن بقية المجتمع على نطاق واسع ، باعتبارها بؤرة لعلاقات المثليين ” (3) . 

   يُقال بأن الكهنوت البوذي ، ومن ثم طبقة الساموراي في اليابان ، أنشأ كلاهما رؤية لجسد الأنثى بطريقة تقلّل من جاذبيتها إلى الحد الأدنى .

وعلى الرغم من أن تقليد المثلية الجنسية في اليابان ، بدأ مع الرهبان ، إلّا أنه لم يمض وقت طويل حتى انتشر بين مجموعة مجتمعية قوية أخرى ، هي الساموراي ، بعد اكتسابهم السلطة في اليابان ، وباتوا يمثلون الطبقة الحاكمة في نهاية القرن الثاني عشر . وذلك يعود إلى سبب جوهري هو تلقي الكثير من الساموراي التعليم في الأديرة ، إضافة إلى النقص الواضح في عدد النساء في تركيبة البنية السكانية للمجتمع الياباني آنذاك .

   ” كان الشذوذ الجنسي طريقة حياة محترمة وتقليدية لمحاربي الساموراي لقرون ، أعتبر نمط حياتهم الشاذ جنسياً مفيداً للمحاربين الشباب الذين يعلمونه الفضيلة والصدق وتقدير الجمال ، على عكس حب النساء ، الذي يتم إلقاء اللوم عليه ، لانعكاسه على تأنيث الرجال ” (4) .

   كانت العلاقة  Shudo  شائعة بين الساموراي ، كما هو الحال في الأديرة .سرعان ما أصبحت بين الساموراي وتابعه المراهق عزيزة إلى حدّ كبير ، ولم يُنظر إليها على أنها مجرّد علاقة مادية ، بل يُنظر إليها من جوانب أخلاقية وروحية أيضاً . يتم وصف العلاقة بينهما على أنها

” كان من المفترض أن يقدّم المُحِب الذكر البالغ ( يُسمّى نينجا ) الدعم الاجتماعي والدعم العاطفي ونموذج الرجولة للصبي . في المقابل ، كان من المتوقع أن يكون الصبي جديراً بحبيبه من خلال كونه طالباً جيداً لرجولة الساموراي . وقد تعهّدا معاً بالتمسك بالفضائل الرجولية المعروفة لطبقة الساموراي : أن يكونا مخلصان ، وثابتان ، ومشرّفان في أفعالهما . كان تقليد ( نانشوكو )  بالفعل شيئاً رائعاً ومقدّساً لكل من الرهبان والساموراي . ومع ذلك في بداية عصر توكاغاوا ، الممّتد بين

( ١٦٠٣ ـ ١٨٦٨ )، توصّل الناس إلى نسختهم الخاصة من ( نانشوكو ) ، فبدلاً من إعادة الروابط الأخوية التي تفتخر بها الطبقات العليا ، تحوّلت إلى البغاء ، حيث أن الذكور الأكبر سنّاً استفادوا من الصبية العزّل ، من دون وعود بالالتزام على المدى الطويل .وتم بناء مناطق متعة واسعة ومذهلة ، حيث يمكن للعميل ، مقابل ثمن ، الاستمتاع بصحبة شريك أنثى أو ذكر لبضع ساعات من دون الالتزام عاطفياً .

   سرعان ما أصبح البغاء مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمسرح الكابوكي أيضا ، وازدهر في أجنحة المدن مع هذه المسارح . ويمكن إرجاع أصل دراما الكابوكي إلى التمثيليات والرقصات التي تؤديها النساء في كيوتو ( العاصمة ) في وقت مبكّر من القرن السابع عشر . وقد سُميت هذه المسرحيات ( كابوكي النسائية ) ، ولكن بعد ذلك ، وخلال فترة قصيرة تم استبدال النساء ، ليتحوّل الكابوكي إلى ( واكشو ) الشباب ، حيث يُشارك في التمثيل الشباب من الذكور والرجال فقط . حيث منعت الحكومة ، رسميّاً ، النساء من العمل في مسرح الكابوكي بسبب العنف بين الرجال ، في تنافسهم للفوز بهذه النسوة الجميلات .وقد اكتسبت نسخة ( واكشو ) شعبية كبيرة لدرجة أن هذه الكلمة انتقلت من معنى ذكر مراهق لم يكن بالغاً بعد إلى معنى ذكر مراهق أثار اهتماماُ جنسياً لدى الذكور البالغين . وقد احتفظت هذه النسخة بشعبيتها حتى تم حضرها أيضاً ، لنفس الأسباب مع الإناث ، إذ سرعان ما بدأ التنافس بين الرجال يزداد ضراوة من أجل الاستئثار بهؤلاء الشبان .

 

 

 

                                                                                              * * *

  

   لم تكن الأفعال الجنسية المثلية نفسها شائعة في عصر توكاغاوا فحسب ، بل كانت الرسومات وغيرها من الأعمال الفنية التي تصوّرها منتشرة في كل مكان أيضاً . في معظم الصور المرئية تم عرض الرجال البالغين ( عادة الساموراي أو الرهبان ) وهم يشاركون في عمليات جنسية مع

( عاهرات ) من المراهقين الذين تغطي أجسادهم القليل من الملابس . عادة ما يرتدي البغي ـ الصبي كيمونو أنثى ، ويظهر بتسريحة أنثى ، ومتبرّجاً مثلها تماماً .

   وكان للأدب نصيباً من هذه الظاهرة الجنسية في اليابان . فقد تم نشر الكثير من القصص المتنوعة التي تخص الموضوع في تلك الفترة ، بدءاً من الحب الأخوي إلى الأوصاف الجنسية وتصويرها .

   خلال فترة توكوغاوا ( ١٦٠٣ ـ ١٨٦٨ ) كانت قصص المثلية شائعة ، وكان الاختلاف الأكبر هو أن هذه القصص لم تكتبها أو تقرأها النساء ، بل هي جزء من ثقافة الرجال . ويشير المؤرخون إلى هذه القصص بأنها   chigo monoga tarig أو قصص  chigo  وكثيراً ما تضمّنت قصصاً عن الحب الحقيقي للساموراي أو الرهبان ورفاقهم من الشبّان المراهقين . ومن أشهر تلك الكتب :

Nanskoku okagami  من تأليف ( إيهارو سايكاكو  ١٦٤٢ م ) ، وهو كتاب من مجموعة أربعين قصة ، تصوّر العلاقات المثلية للذكور في عصر توكوغاوا ، نصفها بين الساموراي وعشّاقهم المراهقين ، والنصف الآخر حول البغايا الصغار الذين يعملون في مسارح الكابوكي .

   في قصص الساموراي ، تم تصوير علاقة ناتشوكو على أنها علاقات حب مثالية  بين الساموراي والشباب ، تثير الإعجاب ! . تمّت كتابة هذه القصص لغرض تعليم القرّاء طريقة

( نانشوكو ) وما يجب على المرء أن يفعله عندما يرغب في أقامة مثل هذه العلاقة . من ناحية أخرى فإن قصص الكابوكي هي أكثر روح دعابة ، وفي المقام الأول كُتبت لأجل الترفيه عن القاريء . وما تشترك فيه جميع القصص هو أنها تركّز بشكل أساسي على الشباب ، الذين يتم وصفهم جميعاً على أنهم وسيمون ورشيقون ، ولديهم صفات أنثوية جذّابة .

   غالباً ما يكون الشباب خاماً .. كانوا نماذج الجمال الجسدي ، وتتوافق سماتهم مع مجموعة من الأشكال التقليدية ، والتي يمكن استخدام بعضها كأمثلة للإشارة إلى الجمال الأنثوي .

لم تقدّم هذه الصور المثالية فقط الحافز الجنسي للقارئ الذكر البالغ ، ولكنها قدّمت أيضاً معياراً لتقييم سحر الشباب في الحياة الواقعية .

   ويمكن القول ، بشكل عام ، أن ثقافة المجتمع الياباني إبان تلك العهود ، كانت تشجّع على ممارسة الجنس المثلي ، فهو في نظرهم يجعل الرجل أكثر قدرة وتحمّلاً وذكورة . كان هنالك من يرى أن ممارسة الجنس مع النساء له تأثير أنثوي .

” في ثقافة الساموراي لم يكن ثمة مكان للحب ( الأنثوي ) ، والعلاقات الحميمة كانت مرتبطة بالسرّية ، وبالضعف أيضاً . وكان الزواج نوع من الارتباط بين العائلات ، وكأنه نوع مبكّر من الارتباط بين شريكين ” (5) .

  ” كان الساموراي يتزوجون لأنهم بحاجة للإنجاب وزيادة أعدادهم ، وخاصة عندما أصبحوا طبقة اجتماعية مهمة وكبيرة . وفرض عليهم وضعهم الاجتماعي أنهم ليسوا أحراراً في فعل ما يحلو لهم ، على الأقل فيما يتعلّق بالزواج . ووفقاً لأمينة متحف إيدو طوكيو ( هيسا كوهاتا ) ، فإن الزيجات في عصر إيدو ( ١٦٠٣ ـ ١٨٦٨ ) تم ترتيبها مسبقاً بشكل عام ، وكان زواج الحب أمراً نادراً للغاية ” (6) .

المراجـــــــــــع :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) : موراساكي شيكيبو ، حكاية جينجي ، ترجمة كامل يوسف حسين ، أـبو ظبي ، ٢٠١١ .

(2) : جونتشيرو تانيزاكي ، التاريخ السرّي لأمير موساشي ، ترجمة كامل يوسف حسين ، دار الآداب ، بيروت ـ لبنان  ، ١٩٨٩، ص٢١ .

(3) : Daman Flanagan . The Shifting Serual Norms in japan , The Japan Times Culture , Nov 19 , 2016 .

 (4) : A Brief History of samurai Homosexuality , katanaswords.info

(5) : د . علاء علي زين العابدين ، الساموراي فكر وحياة ، وكالة سفنكس ، القاهرة ، مصر .

(6) : عبير السيد ، حقائق صادمة قد لا يعرفها الكثيرون عن الساموراي ، ٢٠١٩ ، موقع عربي بوست ، إنترنت .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *